للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَقَعُ الْبُكَاءُ وَالْوَجْدُ، وَالْحَرَكَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ، وَالسَّمَاحَةُ بِالْأَثْمَانِ وَالثِّيَابِ، وَطِيبُ السَّهَرِ، وَتَمَنِّي طُولِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا نِفَاقًا فَهُوَ آخِيَّةُ النِّفَاقِ وَأَسَاسُهُ.

تُلِيَ الْكِتَابُ فَأَطْرَقُوا لَا خِيفَةً ... لَكِنَّهُ إِطْرَاقُ سَاهٍ لَاهِي

وَأَتَى الْغِنَاءُ فَكَالَذُّبَابِ تَرَاقَصُوا ... وَاللَّهِ مَا رَقَصُوا مِنْ أَجْلِ اللَّهِ

دُفٌّ وَمِزْمَارٌ وَنَغْمَةُ شَاهِدٍ ... فَمَتَى شَهِدْتَ عِبَادَةً بِمَلَاهِي

ثَقُلَ الْكِتَابُ عَلَيْهِمُ لَمَّا رَأَوْا ... تَقْيِيدَهُ بِأَوَامِرٍ وَنَوَاهِي

وَعَلَيْهِمُ خَفَّ الْغِنَا لَمَّا رَأَوْا ... إِطْلَاقَهُ فِي اللَّهْوِ دُونَ مَنَاهِي

يَا فِرْقَةً مَا ضَرَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... وَجَنَى عَلَيْهِ وَمَلَّهُ إِلَّا هِي

سَمِعُوا لَهُ رَعْدًا وَبَرْقًا إِذْ حَوَى ... زَجْرًا وَتَخْوِيفًا بِفِعْلِ مَنَاهِي

وَرَأَوْهُ أَعْظَمَ قَاطِعٍ لِلنَّفْسِ عَنْ ... شَهَوَاتِهَا يَا وَيْحَهَا الْمُتَنَاهِي

وَأَتَى السَّمَاعُ مُوَافِقًا أَغْرَاضَهَا ... فَلِأَجْلِ ذَاكَ غَدًا عَظِيمَ الْجَاهِ

أَيْنَ الْمُسَاعِدُ لِلْهَوَى مِنْ قَاطَعٍ ... أَسْبَابَهُ عِنْدَ الْجَهُولِ السَّاهِي

إِنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرَ الْجُسُومِ فَإِنَّهُ ... خَمْرُ الْعُقُولِ مُمَاثِلٌ وَمُضَاهِي

فَانْظُرْ إِلَى النَّشْوَانِ عِنْدَ شَرَابِهِ ... وَانْظُرْ إِلَى النَّشْوَانِ عِنْدَ تَلَاهِي

وَانْظُرْ إِلَى تَمْزِيقِ ذَا أَثْوَابَهُ ... مِنْ بَعْدِ تَمْزِيقِ الْفُؤَادِ اللَّاهِي

فَاحْكُمْ بِأَيِّ الْخَمْرَتَيْنِ أَحَقُّ بِال ... تَّحْرِيمِ وَالتَّأْثِيمِ عِنْدَ اللَّهِ

وَكَيْفَ يَكُونُ السَّمَاعُ الَّذِي يَسْمَعُهُ الْعَبْدُ بِطَبْعِهِ وَهَوَاهُ أَنْفَعَ لَهُ مِنَ الَّذِي يَسْمَعُهُ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَعَنِ اللَّهِ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ هَذَا السَّمَاعَ الْغِنَائِيَّ الشِّعْرِيَّ كَذَلِكَ، فَهَذَا غَايَةُ اللَّبْسِ عَلَى الْقَوْمِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسْمَعُ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَعَنِ اللَّهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ صُورَةِ الْمَسْمُوعِ وَحَقِيقَتِهِ وَمَرْتَبَتِهِ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ مَنْ شُرْبُهُ وَنَصِيبُهُ وَذَوْقُهُ وَوَجْدُهُ مِنْ سَمَاعِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ كَمَنْ نَصِيبُهُ وَشُرْبُهُ وَذَوْقُهُ وَوَجْدُهُ مِنْ سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْأَبِيَّاتِ.

وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا السَّمَاعَ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْمِ، وَأَنَّهُ مُبَاحٌ بِكَوْنِهِ مُسْتَلَذًّا طَبْعًا، تَسْتَلِذُّهُ النُّفُوسُ، وَتَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الطِّفْلَ يَسْكُنُ إِلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ، وَالْجَمَلَ يُقَاسِي تَعَبَ السَّيْرِ وَمَشَقَّةَ الْحُمُولَةِ فَيُهَوَّنُ عَلَيْهِ بِالْحِدَاءِ، وَبِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>