للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُضْمَنْ لَهُ فِيهَا الْفَلَاحُ، فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا، وَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ عَنْهُ كَصَلَاةِ الْمُرَائِي.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْخُشُوعَ وَالْعَقْلَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَمَقْصُودُهَا وَلُبُّهَا، فَكَيْفَ يُعْتَدُّ بِصَلَاةٍ فَقَدَتْ رُوحَهَا وَلُبَّهَا، وَبَقِيَتْ صُورَتُهَا وَظَاهِرُهَا؟ .

قَالُوا: وَلَوْ تَرَكَ الْعَبْدُ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا عَمْدًا لَأَبْطَلَهَا تَرْكُهُ. وَغَايَتُهُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِهَا بِمَنْزِلَةِ فَوَاتِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَكَيْفَ إِذَا عَدِمَتْ رُوحَهَا، وَلُبَّهَا وَمَقْصُودَهَا؟ وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ، إِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ الْيَدِ، يَعْتِقُهُ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ، فَكَيْفَ يُعْتَدُّ بِالْعَبْدِ الْمَيِّتِ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الصَّلَاةُ كَجَارِيَةٍ تُهْدَى إِلَى مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ يَهْدِي إِلَيْهِ جَارِيَةً شَلَّاءَ، أَوْ عَوْرَاءَ، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، أَوْ مَرِيضَةً، أَوْ دَمِيمَةً، أَوْ قَبِيحَةً، حَتَّى يُهْدِيَ إِلَيْهِ جَارِيَةً مَيِّتَةً بِلَا رُوحٍ وَجَارِيَةً قَبِيحَةً، فَكَيْفَ بِالصَّلَاةِ الَّتِي يُهْدِيهَا الْعَبْدُ، وَيَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى؟ وَاللَّهُ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَيْسَ مِنَ الْعَمَلِ الطَّيِّبِ صَلَاةٌ لَا رُوحَ فِيهَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعِتْقِ الطَّيِّبِ عِتْقُ عَبْدٍ لَا رُوحَ فِيهِ.

قَالُوا: وَتَعْطِيلُ الْقَلْبِ عَنْ عُبُودِيَّةِ الْحُضُورِ وَالْخُشُوعِ: تَعْطِيلٌ لِمَلِكِ الْأَعْضَاءِ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ، وَعَزْلٌ لَهُ عَنْهَا، فَمَاذَا تُغْنِي طَاعَةُ الرَّعِيَّةِ وَعُبُودِيَّتُهَا، وَقَدْ عُزِلَ مِلْكُهَا وَتَعَطَّلَ؟ .

قَالُوا: وَالْأَعْضَاءُ تَابِعَةٌ لِلْقَلْبِ، تَصْلُحُ بِصَلَاحِهِ، وَتَفْسُدُ بِفَسَادِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِعُبُودِيَّتِهِ، فَالْأَعْضَاءُ أَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِعُبُودِيَّتِهَا، وَإِذَا فَسَدَتْ عُبُودِيَّتُهُ بِالْغَفْلَةِ وَالْوَسْوَاسِ فَأَنَّى تَصِحُّ عُبُودِيَّةُ رَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ وَمَادَّتُهُمْ مِنْهُ، وَعَنْ أَمْرِهِ يُصْدِرُونَ، وَبِهِ يَأْتَمِرُونَ؟ .

قَالُوا: وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ» وَهَذَا إِمَّا خَاصٌّ بِدُعَاءِ الْعِبَادَةِ، وَإِمَّا عَامٌّ لَهُ وَلِدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِمَّا خَاصٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>