للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعَمْ الْفَنَاءُ الْمَحْمُودُ هُوَ تَحْقِيقُ مَقَامِ الْإِحْسَانِ. وَهُوَ أَنْ يَفْنَى بِحُبِّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَعِبَادَتِهِ، وَالتَّبَتُّلِ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ. وَلَيْسَ فَوْقَ ذَلِكَ مَقَامٌ يُطْلَبُ إِلَّا مَا هُوَ مِنْ عَوَارِضَ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ: وَتَصُونُ السَّالِكَ عَنْ وَهَنِ الْفَتْرَةِ؛ أَيْ تَحَفَظُهُ عَنْ وَهَنِ فُتُورِهِ وَكَسَلِهِ، الَّذِي سَبَّبَهُ عَدَمُ الرَّغْبَةِ أَوْ قِلَّتُهَا.

وَقَوْلُهُ: وَتَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى غَثَاثَةِ الرُّخَصِ. أَهْلُ الْعَزَائِمِ بِنَاءُ أَمْرِهِمْ عَلَى الْجِدِّ وَالصِّدْقِ. فَالسُّكُونُ مِنْهُمْ إِلَى الرُّخَصِ رُجُوعٌ وَبَطَالَةٌ.

وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ. لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ. فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ. وَفِي الْمُسْنَدِ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» . فَجَعَلَ الْأَخْذَ بِالرُّخَصِ قُبَالَةَ إِتْيَانِ الْمَعَاصِي. وَجَعَلَ حَظَّ هَذَا: الْمَحَبَّةَ. وَحَظَّ هَذَا: الْكَرَاهِيَةَ. وَمَا عُرِضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَانِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا وَالرُّخْصَةُ أَيْسَرُ مِنَ الْعَزِيمَةِ. وَهَكَذَا كَانَ حَالُهُ فِي فِطْرِهِ وَسَفَرِهِ، وَجَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَالِاقْتِصَارِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَنَقُولُ:

الرُّخْصَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الرُّخْصَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ الْمَعْلُومَةُ مِنَ الشَّرْعِ نَصًّا، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ قِيلَ لَهَا عَزِيمَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَمْرِ وَالْوُجُوبِ. فَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>