للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ الثَّانِي: الِاعْتِرَاضُ عَلَى شَرْعِهِ وَأَمْرِهِ. وَأَهْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: الْمُعْتَرِضُونَ عَلَيْهِ بِآرَائِهِمْ وَأَقْيِسَتِهِمْ، الْمُتَضَمِّنَةِ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَتَحْرِيمَ مَا أَبَاحَهُ، وَإِسْقَاطَ مَا أَوْجَبَهُ، وَإِيجَابَ مَا أَسْقَطَهُ، وَإِبْطَالَ مَا صَحَّحَهُ، وَتَصْحِيحَ مَا أَبْطَلَهُ، وَاعْتِبَارَ مَا أَلْغَاهُ، وَإِلْغَاءَ مَا اعْتَبَرَهُ، وَتَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ، وَإِطْلَاقَ مَا قَيَّدَهُ.

وَهَذِهِ هِيَ الْآرَاءُ وَالْأَقْيِسَةُ الَّتِي اتَّفَقَ السَّلَفُ قَاطِبَةً عَلَى ذَمِّهَا، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا. وَصَاحُوا عَلَى أَصْحَابِهَا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ. وَحَذَّرُوا مِنْهُمْ، وَنَفَرُوا عَنْهُمْ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الِاعْتِرَاضُ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالشَّرْعِ بِالْأَذْوَاقِ وَالْمَوَاجِيدِ وَالْخَيَالَاتِ، وَالْكُشُوفَاتِ الْبَاطِلَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَإِبْطَالَ دِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَالتَّعَوُّضَ عَنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ بِخُدَعِ الشَّيْطَانِ وَحُظُوظِ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ أَرْبَابَهَا يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْحُظُوظِ. وَكُلُّ مَا هُمْ فِيهِ فَحَظٌّ، وَلَكِنَّ حَظَّهُمْ مُتَضَمِّنٌ مُخَالَفَةَ مُرَادِ اللَّهِ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْ دِينِهِ، وَاعْتِقَادَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ حُظُوظِ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ، الْمُعْتَرِفِينَ بِذَمِّهَا، الْمُسْتَغْفِرِينَ مِنْهَا، الْمُقِرِّينَ بِنَقْصِهِمْ وَعَيْبِهِمْ، وَأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلدِّينِ؟

وَهَؤُلَاءِ فِي حُظُوظٍ اتَّخَذُوهَا دِينًا، وَقَدَّمُوهَا عَلَى شَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ. وَاغْتَالُوا بِهَا الْقُلُوبَ. وَاقْتَطَعُوهَا عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ. فَتَوَلَّدَ مِنْ مَعْقُولِ أُولَئِكَ، وَآرَاءِ الْآخَرِينَ وَأَقْيِسَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ، وَأَذْوَاقِ هَؤُلَاءِ خَرَابُ الْعَالَمِ، وَفَسَادُ الْوُجُودِ، وَهَدْمُ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَكَادَ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَقُومُ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَيُبَيِّنُ مَعَالِمَهُ، وَيَحْمِيهِ مِنْ كَيْدِ مَنْ يَكِيدُ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّيَاسَاتِ الْجَائِرَةِ، الَّتِي لِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ الَّتِي قَدَّمُوهَا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَحَكَمُوا بِهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَعَطَّلُوا لَهَا وَبِهَا شَرْعَهُ وَعَدَلَهُ وَحُدُودَهُ.

فَقَالَ الْأَوَّلُونَ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ : قَدَّمْنَا الْعَقْلَ.

وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِذَا تَعَارَضَ الْأَثَرُ وَالْقِيَاسُ: قَدَّمْنَا الْقِيَاسَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الذَّوْقِ وَالْكَشْفِ وَالْوَجْدِ: إِذَا تَعَارَضَ الذَّوْقُ وَالْوَجْدُ وَالْكَشْفُ وَظَاهِرُ الشَّرْعِ: قَدَّمْنَا الذَّوْقَ وَالْوَجْدَ وَالْكَشْفَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>