للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسَخَّرِ الْمُكَلَّفِ، بَلْ تَكُونُ دَوَاعِي قَلْبِهِ وَجَوَاذِبُهُ مُنْسَاقَةً إِلَى اللَّهِ طَوْعًا وَمَحَبَّةً وَإِيثَارًا. كَجَرَيَانِ الْمَاءِ فِي مُنْحَدَرِهِ. وَهَذِهِ حَالُ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ. فَإِنَّ عِبَادَتَهُمْ طَوْعًا وَمَحَبَّةً وَرِضًا. فَفِيهَا قُرَّةُ عُيُونِهِمْ، وَسُرُورُ قُلُوبِهِمْ، وَلَذَّةُ أَرْوَاحِهِمْ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، وَكَانَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ» .

فَقُرَّةُ عَيْنِ الْمُحِبِّ وَلَذَّتُهُ وَنَعِيمُ رُوحِهِ: فِي طَاعَةِ مَحْبُوبِهِ. بِخِلَافِ الْمُطِيعِ كَرْهًا، الْمُتَحَمِّلِ لِلْخِدْمَةِ ثِقَلًا.

وَفِي قَوْلِهِ: ذُلُّ الْإِكْرَاهِ. لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمُطِيعَ كَرْهًا يَرَى أَنَّهُ لَوْلَا ذُلُّ قَهْرِهِ، وَعُقُوبَةُ سَيِّدِهِ لَهُ لَمَا أَطَاعَهُ. فَهُوَ يَتَحَمَّلُ طَاعَتَهُ كَالْمُكْرَهِ الَّذِي قَدْ أَذَلَّهُ مُكْرِهُهُ وَقَاهِرُهُ. بِخِلَافِ الْمُحِبِّ الَّذِي يُعِدُّ طَاعَةَ مَحْبُوبِهِ قُوتًا وَنَعِيمًا، وَلَذَّةً وَسُرُورًا، فَهَذَا لَيْسَ الْحَامِلُ لَهُ ذُلَّ الْإِكْرَاهِ.

وَالثَّانِي: تَحَفُظُّهُ مِنْ مَرَضِ الْفُتُورِ. أَيْ تَوَقِّيهِ مِنْ مَرَضِ فُتُورِ قَصْدِهِ، وَخُمُودِ نَارِ طَلَبِهِ. فَإِنَّ الْعَزْمَ هُوَ رُوحُ الْقَصْدِ، وَنَشَاطَهُ كَالصِّحَّةِ لَهُ. وَفُتُورَهُ مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِهِ. فَتَهْذِيبُ قَصْدِهِ وَتَصْفِيَتُهُ بِحَمِيَّتِهِ مِنْ أَسْبَابِ هَذَا الْمَرَضِ الَّذِي هُوَ فُتُورُهُ. وَإِنَّمَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ بِالْحَمِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِهِ. وَهُوَ أَنْ يَلْهُوَ عَنِ الْفُضُولِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَيَحْرِصَ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَعْنِيهِ. وَلَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو فِيهِ زِيَادَةَ إِيمَانِهِ وَحَالِهِ مَعَ اللَّهِ وَلَا يَصْحَبَ إِلَّا مَنْ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ بُلِيَ بِمَنْ لَا يُعِينُهُ فَلْيَدْرَأْهُ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَيَدْفَعْهُ دَفْعَ الصَّائِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>