للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِحْسَانِهِ، وَمُسِيئِهِمْ بِإِسَاءَتِهِ، هَذَا حَقِيقَةُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ.

الرَّابِعُ: كَوْنُهُ رَحْمَانًا رَحِيمًا، فَإِنَّ مِنْ كَمَالِ رَحْمَتِهِ أَنْ يُعَرِّفَ عِبَادَهُ نَفْسَهُ وَصِفَاتِهِ وَيَدُلَّهُمْ عَلَى مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ، وَيُبَاعِدُهُمْ مِنْهُ، وَيُثِيبَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ، وَيَجْزِيَهُمْ بِالْحُسْنَى، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَكَانَتْ رَحْمَتُهُ مُقْتَضِيَةً لَهَا.

الْخَامِسُ: مِلْكُهُ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ بِالْقَوْلِ، كَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ بِالْفِعْلِ، فَالْمَلِكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ بِأَمْرِهِ وَقَوْلِهِ، فَتَنْفُذُ أَوَامِرُهُ وَمَرَاسِيمُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي مُلْكِهِ بِفِعْلِهِ، وَاللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْمِلْكُ، فَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.

وَتَصَرُّفُهُ بِقَوْلِهِ نَوْعَانِ: تَصَرُّفٌ بِكَلِمَاتِهِ الْكَوْنِيَّةِ، وَتَصَرُّفٌ بِكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ، وَكَمَالُ الْمُلْكِ بِهِمَا.

فَإِرْسَالُ الرُّسُلِ مُوجَبُ كَمَالِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُلْكُ الْمَعْقُولُ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ، فَكُلُّ مَلِكٍ لَا تَكُونُ لَهُ رُسُلٌ يَبُثُّهُمْ فِي أَقْطَارِ مَمْلَكَتِهِ فَلَيْسَ بِمَلِكٍ.

وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُعْلَمُ وُجُودُ مَلَائِكَتِهِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمْ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ بِمُلْكِهِ، فَإِنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ.

السَّادِسُ: " ثُبُوتُ يَوْمِ " الدِّينِ وَهُوَ يَوْمُ الْجَزَاءِ الَّذِي يَدِينُ اللَّهُ فِيهِ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ خَيْرًا وَشَرًّا، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَقِيَامِ الْحُجَّةِ الَّتِي بِسَبَبِهَا يُدَانُ الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي.

السَّابِعُ: كَوْنُهُ مَعْبُودًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْبَدُ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ رُسُلِهِ، فَإِنْكَارُ رُسُلِهِ إِنْكَارٌ لِكَوْنِهِ مَعْبُودًا.

الثَّامِنُ: كَوْنُهُ هَادِيًا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ: هُوَ أَقْرَبُ خَطٍّ مُوَصِّلٍ بَيْنَ نُقْطَتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ، فَتَوَقُّفُهُ عَلَى الرُّسُلِ ضَرُورِيٌّ، أَعْظَمُ مِنْ تَوَقُّفِ الطَّرِيقِ الْحِسِّيِّ عَلَى سَلَامَةِ الْحَوَاسِ.

التَّاسِعُ: كَوْنُهُ مُنْعِمًا عَلَى أَهْلِ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: فَإِنَّ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا تَمَّ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَجَعْلِهِمْ قَابِلِينَ الرِّسَالَةَ، مُسْتَجِيبِينَ لِدَعْوَتِهِ، وَبِذَلِكَ ذَكَّرَهُمْ مِنَّتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْعَامَهُ فِي كِتَابِهِ.

الْعَاشِرُ: انْقِسَامُ خَلْقِهِ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِمْ، وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ، وَضَالِّينَ، فَإِنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>