للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُخْرَجَ مُخْرَجًا لَا أَكُونُ فِيهِ ضَامِنًا عَلَيْكَ.

يُرِيدُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْرَجُ مُخْرَجَ صِدْقٍ. وَلِذَلِكَ فُسِّرَ مُدْخَلُ الصِّدْقِ وَمُخْرَجُهُ: بِخُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ. فَإِنَّ هَذَا الْمُدْخَلَ وَالْمُخْرَجَ مِنْ أَجَلِّ مَدَاخِلِهِ وَمَخَارِجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِلَّا فَمَدَاخِلُهُ كُلُّهَا مَدَاخِلُ صِدْقٍ، وَمَخَارِجُهُ مَخَارِجُ صِدْقٍ. إِذْ هِيَ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ، وَلِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ.

وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِهِ وَدَخَلَ سُوقَهُ - أَوْ مُدْخَلًا آخَرَ - إِلَّا بِصِدْقٍ أَوْ بِكَذِبٍ، فَمُخْرَجُ كُلِّ وَاحِدٍ وَمُدْخَلُهُ: لَا يَعْدُو الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَأَمَّا لِسَانُ الصِّدْقِ: فَهُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِالصِّدْقِ. لَيْسَ ثَنَاءً بِالْكَذِبِ. كَمَا قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: ٥٠] وَالْمُرَادُ بِاللِّسَانِ هَاهُنَا: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ. فَلَمَّا كَانَ الصِّدْقُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ مَحَلُّهُ. أَطْلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَلْسِنَةَ الْعِبَادِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الصَّادِقِ، جَزَاءً وِفَاقًا. وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ.

فَإِنَّ اللِّسَانَ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: هَذَا، وَاللُّغَةُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤] وَقَوْلِهِ: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: ٢٢] وَقَوْلِهِ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣] وَيُرَادُ بِهِ الْجَارِحَةُ نَفْسُهَا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: ١٦] .

وَأَمَّا قَدَمُ الصِّدْقِ: فَفُسِّرَ بِالْجَنَّةِ. وَفُسِّرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفُسِّرَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

وَحَقِيقَةُ الْقَدَمِ مَا قَدَّمُوهُ. وَمَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهُمْ قَدَّمُوا الْأَعْمَالَ وَالْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْدَمُونَ عَلَى الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ جَزَاءُ ذَلِكَ.

فَمَنْ فَسَّرَهُ بِهَا أَرَادَ: مَا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِ. وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْأَعْمَالِ وَبِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِأَنَّهُمْ قَدَّمُوهَا. وَقَدَّمُوا الْإِيمَانَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. فَالثَّلَاثَةُ قَدَمُ صِدْقٍ. وَأَمَّا مَقْعَدُ الصِّدْقِ: فَهُوَ الْجَنَّةُ عِنْدَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>