للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى الْكَاذِبِ الْمُفْتَرِي. وَالتَّمَنِّي سُؤَالٌ وَدُعَاءٌ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، وَادْعُوا بِهِ عَلَى الْمُبْطِلِ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرِي.

وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ: تَمَنُّوهُ لِأَنْفُسِكُمْ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. بَلْ مَعْنَاهُ: ادْعُوا بِالْمَوْتِ وَتَمَنُّوهُ لِلْمُبْطِلِ. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَبُرْهَانِ الصِّدْقِ، وَأَسْلَمُ مِنْ أَنْ يُعَارِضُوا رَسُولَ اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ: فَتَمَنُّوهُ أَنْتُمْ أَيْضًا. إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ أَنَّكُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. لِتَقْدَمُوا عَلَى ثَوَابِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ. وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى مُعَارَضَتِهِ، فَلَوْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أُولَئِكَ لَعَارَضُوهُ بِمِثْلِهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّا نُشَاهِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِضُرِّهِ وَبَلَائِهِ، وَشِدَّةِ حَالِهِ. وَيَدْعُو بِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ تَمَنِّيهِ وَالدُّعَاءِ بِهِ عَلَى الْفِرْقَةِ الْكَاذِبَةِ. فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. وَلَا وَقَعَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتَّةَ. وَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا. فَلَا يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا. لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كِتَابِهِ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَاصُّ: الصَّادِقُ لَا تَرَاهُ إِلَّا فِي فَرْضٍ يُؤَدِّيهِ، أَوْ فَضْلٍ يَعْمَلُ فِيهِ.

وَقَالَ الْجُنَيْدُ: حَقِيقَةُ الصِّدْقِ: أَنَّ تَصْدُقَ فِي مَوْطِنٍ لَا يُنْجِيكَ مِنْهُ إِلَّا الْكَذِبُ.

وَقِيلَ: ثَلَاثٌ لَا تُخْطِئُ الصَّادِقَ: الْحَلَاوَةُ، وَالْمَلَاحَةُ، وَالْهَيْبَةُ.

وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ مَنْ صَدَقَنِي فِي سَرِيرَتِهِ صَدَقْتُهُ فِي عَلَانِيَتِهِ عِنْدَ خَلْقِي.

وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَوَّلُ خِيَانَةِ الصِّدِّيقِينَ: حَدِيثُهُمْ مَعَ أَنْفُسِهِمْ.

وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: لَأَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً أُعَامِلُ اللَّهَ بِالصِّدْقِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَضْرِبَ بِسَيْفِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ: الصَّادِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي لَوْ خَرَجَ كُلُّ قَدْرٍ لَهُ فِي قُلُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>