للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْجُنَيْدِ كَلِمَتَانِ فِي الْإِرَادَةِ مُجْمَلَتَانِ. تَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى تَفْسِيرٍ. الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَخْلَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: الْمُرِيدُ الصَّادِقُ غَنِيٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْمُرِيدِ خَيْرًا: أَوْقَعَهُ إِلَى الصُّوفِيَّةِ. وَمَنَعَهُ صُحْبَةَ الْقُرَّاءِ.

قُلْتُ: إِذَا صَدَقَ الْمُرِيدُ، وَصَحَّ عَقْدُ صِدْقِهِ مَعَ اللَّهِ: فَتَحَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ، وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ اللَّهِ: مَا يُغْنِيهِ عَنِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ نَتَائِجُ أَفْكَارِ النَّاسِ وَآرَائِهِمْ. وَعَنِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ زَادِ الْقَبْرِ. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ إِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَعُلُومِهِمْ، الَّتِي أَفْنَوْا فِيهَا أَعْمَارَهُمْ: مِنْ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا وَعُيُوبِهَا، وَمَعْرِفَةِ مُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ، وَأَحْكَامِ السُّلُوكِ. فَإِنَّ حَالَ صِدْقِهِ، وَصِحَّةَ طَلَبِهِ: يُرِيهِ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفِعْلِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ قَاعِدٌ فِي الْبَلَدِ يَدْأَبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فِي عِلْمِ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ وَعَقَبَاتِهَا وَأَوْدِيَتِهَا، وَمَوَاضِعِ الْمَتَاهَاتِ فِيهَا، وَالْمَوَارِدِ وَالْمَفَاوِزِ. وَآخَرُ: حَمَلَهُ الْوَجْدُ وَصِدْقُ الْإِرَادَةِ عَلَى أَنْ رَكِبَ الطَّرِيقَ وَسَارَ فِيهَا. فَصِدْقُهُ يُغْنِيهِ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ الْقَاعِدِ، وَيُرِيهِ إِيَّاهَا فِي سُلُوكِهِ عَيَانًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>