وَقَوْلُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] وَلَمْ يَقُلْ: رَبِّ قَدَرْتَ عَلَيَّ وَقَضَيْتَ عَلَيَّ.
وَقَوْلُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣] . وَلَمْ يَقُلْ: فَعَافِنِي وَاشْفِنِي.
وَقَوْلُ يُوسُفَ لِأَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: ١٠٠] وَلَمْ يَقُلْ: أَخْرَجَنِي مِنَ الْجُبِّ، حِفْظًا لِلْأَدَبِ مَعَ إِخْوَتِهِ. وَتَفَتِّيًا عَلَيْهِمْ: أَنْ لَا يُخْجِلَهُمْ بِمَا جَرَى فِي الْجُبِّ. وَقَالَ {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: ١٠٠] وَلَمْ يَقُلْ: رَفَعَ عَنْكُمْ جُهْدَ الْجُوعِ وَالْحَاجَةَ. أَدَبًا مَعَهُمْ. وَأَضَافَ مَا جَرَى إِلَى السَّبَبِ. وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى الْمُبَاشِرِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُ. فَقَالَ: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: ١٠٠] فَأَعْطَى الْفُتُوَّةَ وَالْكَرْمَ وَالْأَدَبَ حَقَّهُ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ كَمَالُ هَذَا الْخُلُقِ إِلَّا لِلرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ: أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، أَدَبًا مَعَ اللَّهِ، عَلَى حَسَبِ الْقُرْبِ مِنْهُ، وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ، وَشِدَّةِ الْحَيَاءِ مِنْهُ، وَمَعْرِفَةِ وَقَارِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْزَمِ الْأَدَبَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَمَا أَسَاءَ أَحَدٌ الْأَدَبَ فِي الظَّاهِرِ إِلَّا عُوقِبَ ظَاهِرًا. وَمَا أَسَاءَ أَحَدٌ الْأَدَبَ بَاطِنًا إِلَّا عُوقِبَ بَاطِنًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ تَهَاوَنَ بِالْأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ السُّنَنِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ. عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْفَرَائِضِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْمَعْرِفَةِ.
وَقِيلَ: الْأَدَبُ فِي الْعَمَلِ عَلَامَةُ قَبُولِ الْعَمَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute