للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَانَ خَاتِمَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِذَا كَانَ آخِرَ كَلَامِ الْعَبْدِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ

٩ - وَأَمَّا اخْتِصَاصُ الذَّاكِرِينَ بِالِانْتِفَاعِ بِآيَاتِهِ وَهُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وَالْعُقُولِ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١]

١٠ - وَأَمَّا مُصَاحَبَتُهُ لِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَاقْتِرَانُهُ بِهَا وَأَنَّهُ رُوحُهَا: فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] وَقَرَنَهُ بِالصِّيَامِ وَبِالْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، بَلْ هُوَ رُوحُ الْحَجِّ وَلُبُّهُ وَمَقْصُودُهُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» .

وَقَرَنَهُ بِالْجِهَادِ وَأَمَرَ بِذِكْرِهِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْأَقْرَانِ وَمُكَافَحَةِ الْأَعْدَاءِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: ٤٥] وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ عَبْدِي - كُلَّ عَبْدِيَ - الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ.

سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَسْتَشْهِدُ بِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْمُحِبُّونَ يَفْتَخِرُونَ بِذِكْرِ مَنْ يُحِبُّونَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا ... أَشْطَانُ بِئْرٍ فِي لُبَانِ الْأَدْهَمِ

وَقَالَ الْآخَرُ:

ذَكَرْتُكِ وَالْخَطِّيُّ يَخْطُرُ بَيْنَنَا ... وَقَدْ نَهَلَتْ مِنَّا الْمُثَقَّفَةُ السُّمْرُ

قَالَ آخَرُ:

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ شَوَاجِرٌ ... تَحْوِي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي

وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّ ذِكْرَ الْمُحِبِّ مَحْبُوبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>