لَمْ يَعْتِبْهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَلُمْهُ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الدَّلَالِ. وَصَاحِبُهُ مِنْ ضَنَائِنِ اللَّهِ وَأَحْبَابِهِ. فَإِنَّ الْحَبِيبَ يُسَامِحُ بِمَا لَا يُسَامِحُ بِهِ سِوَاهُ. لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَكْبَرُ شُفَعَائِهِ. وَإِذَا هَفَا هَفْوَةً مَلَّكَهُ عَاقِبَتَهَا، بِأَنْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِرِفْعَتِهِ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ. فَيَجْعَلَ تِلْكَ الْهَفْوَةَ سَبَبًا لِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ. وَذُلٍّ خَاصٍّ، وَانْكِسَارٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ تَزِيدُ فِي قُرْبِهِ مِنْهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْهَفْوَةِ. فَتَكُونُ تِلْكَ الْهَفْوَةُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ اعْتِنَاءِ اللَّهِ بِالْعَبْدِ، وَكَوْنِهِ مِنْ أَحْبَابِهِ وَحِزْبِهِ.
وَقَدِ اسْتَشْهَدَ الشَّيْخُ بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَلْهَتْهُ الْخَيْلُ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ. فَأَخَذَتْهُ الْغَضْبَةُ لِلَّهِ وَالْحَمِيَّةُ. فَحَمَلَتْهُ عَلَى أَنْ مَسَحَ عَرَاقِيبَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِالسَّيْفِ. وَأَتْلَفَ مَالًا شَغَلَهُ عَنِ اللَّهِ فِي اللَّهِ. فَعَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْهُ: أَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ. فَمَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَاقِبَةَ هَذِهِ الْهَفْوَةِ. وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِنَيْلِ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ.
وَاسْتَشْهَدَ بِقِصَّةِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ - وَفِيهَا كَلَامُ اللَّهِ - عَنْ رَأْسِهِ، وَكَسَرَهَا، وَجَرَّ بِلِحْيَةِ أَخِيهِ. وَهُوَ نَبِيٌّ مِثْلُهُ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا عَتَبَ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَكْلِ لُقْمَةٍ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَعَلَى نُوحٍ فِي ابْنِهِ حِينَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ. وَعَلَى دَاوُدَ فِي شَأْنِ امْرَأَةِ أُورْبَا. وَعَلَى يُونُسَ فِي شَأْنِ الْمُغَاضَبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute