للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَظَرُّفًا، وَتُصَحِّحَهَا تَحَقِيقًا.

يُرِيدُ بِمُرَاعَاتِهَا: حِفْظَهَا وَصَوْنَهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا أَنْ تَحُولَ. فَإِنَّهَا تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ. فَإِنْ لَمْ يَرْعَ حُقُوقَهَا حَالَتْ. وَمُرَاعَاتُهَا: بِدَوَامِ الْوَفَاءِ، وَتَجَنُّبِ الْجَفَاءِ.

وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا بِإِكْرَامِ نُزُلِهَا. فَإِنَّهَا ضَيْفٌ. وَالضَّيْفُ إِنْ لَمْ تُكَرِمْ نُزُلَهُ ارْتَحَلَ.

وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا بِضَبْطِهَا مَلَكَةً. وَشَدِّ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يَسْمَحَ بِهَا لِقَاطِعِ طَرِيقٍ وَلَا نَاهِبٍ.

وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا: بِالِانْقِيَادِ إِلَى حُكْمِهَا، وَالْإِذْعَانِ لِسُلْطَانِهَا إِذَا وَافَقَ الْأَمْرَ.

وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا: بِسَتْرِهَا تَظَرُّفًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتُرَهَا عَنِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَهُ. لِئَلَّا يَعْلَمُوا بِهَا. وَلَا يُظْهِرَهَا إِلَّا لِحُجَّةٍ. أَوْ حَاجَةٍ، أَوْ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. فَإِنَّ فِي إِظْهَارِهَا بِدُونِ ذَلِكَ آفَاتٍ عَدِيدَةً. مَعَ تَعْرِيضِهَا لِلُّصُوصِ وَالسُّرَّاقِ وَالْمُغِيرِينَ.

وَإِظْهَارُ الْحَالِ لِلنَّاسِ عِنْدَ الصَّادِقِينَ: حُمْقٌ وَعَجْزٌ. وَهُوَ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ. وَأَهْلُ الصِّدْقِ وَالْعَزْمِ لَهَا أَسْتَرُ، وَأَكْتَمُ مِنْ أَرْبَابِ الْكُنُوزِ مِنَ الْأَمْوَالِ لِأَمْوَالِهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ أَضْدَادَهَا نَفْيًا وَجَحْدًا. وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَلَامَتِيَّةِ، وَلَهُمْ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَكَانَ شَيْخُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَنَازِلَ.

وَاتَّفَقَتِ الطَّائِفَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطْلَعَ النَّاسَ عَلَى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ: فَقَدْ دَنَّسَ طَرِيقَتَهُ. إِلَّا لِحُجَّةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.

وَقَوْلُهُ: وَتَصْحِيحُهَا تَحْقِيقًا

أَيْ يَجْتَهِدُ فِي تَحْقِيقِ أَحْوَالِهِ، وَتَصْحِيحِهَا وَتَخْلِيصِهَا. فَإِنَّ الْحَالَ قَدْ يَمْتَزِجُ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ. وَلَا يُمَيِّزُهُ إِلَّا أُولُو الْبَصَائِرِ وَالْعِلْمِ.

وَأَهْلُ هَذِهِ الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْوَارِدَ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْعَبْدُ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْهَوَاتِفَ وَالْخِطَابَ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ حَقًّا. وَالَّذِي يَبْتَدِئُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بَاطِلًا وَكَذِبًا. فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمِينِ: هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ. وَبِأَيْمَانِهِمْ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ. وَنُورُهُمُ الظَّاهِرُ عَلَى الصِّرَاطِ بِأَيْمَانِهِمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطَهُورِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. وَاللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>