للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء: ١٧٢] وَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: ٢٠٦] وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَقْفَ التَّامَّ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنبياء: ١٩] هَاهُنَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ١٩] فَهُمَا جُمْلَتَانِ تَامَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، أَيْ إِنَّ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ عَبِيدًا وَمِلْكًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ جُمْلَةً أُخْرَى فَقَالَ {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء: ١٩] يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ يَعْنِي لَا يَأْنَفُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَعَاظَمُونَ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ، فَيَعْيَوْنَ وَيَنْقَطِعُونَ يُقَالُ: حَسِرَ وَاسْتَحْسَرَ، إِذَا تَعِبَ وَأَعْيَا بَلْ عِبَادَتُهُمْ وَتَسْبِيحُهُمْ كَالنَّفَسِ لِبَنِي آدَمَ، فَالْأَوَّلُ وَصْفٌ لِعَبِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَالثَّانِي وَصْفٌ لِعَبِيدِ إِلَهِيَّتِهِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: ٦] وَقَالَ {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} [ص: ١٧] وَقَالَ {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: ٤١] وَقَالَ {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [ص: ٤٥] وَقَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ٣٠] وَقَالَ عَنِ الْمَسِيحِ {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: ٥٩] فَجَعَلَ غَايَتَهُ الْعُبُودِيَّةَ لَا الْإِلَهِيَّةَ، كَمَا يَقُولُ أَعْدَاؤُهُ النَّصَارَى، وَوَصَفَ أَكْرَمَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَأَعْلَاهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً بِالْعُبُودِيَّةِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١] وَقَالَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: ١] فَذَكَرَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي مَقَامِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ، وَفِي مَقَامِ التَّحَدِّي بِأَنْ يَأْتُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>