الْقَلْبُ» أَيْ سَكَنَ إِلَيْهِ وَزَالَ عَنْهُ اضْطِرَابُهُ وَقَلَقُهُ.
وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ هَاهُنَا قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذِكْرُ الْعَبْدِ رَبَّهُ. فَإِنَّهُ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قَلْبُهُ وَيَسْكُنُ. فَإِذَا اضْطَرَبَ الْقَلْبُ وَقَلِقَ فَلَيْسَ لَهُ مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ سِوَى ذِكْرِ اللَّهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِيهِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا فِي الْحَلِفِ وَالْيَمِينِ. إِذَا حَلَفَ الْمُؤْمِنُ عَلَى شَيْءٍ سَكَنَتْ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ وَاطْمَأَنَّتْ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ ذِكْرُ الْعَبْدِ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، يَسْكُنُ إِلَيْهِ قَلْبُهُ وَيَطْمَئِنُّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ هَاهُنَا الْقُرْآنُ. وَهُوَ ذِكْرُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ. بِهِ طُمَأْنِينَةُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ. وَلَا سَبِيلَ إِلَى حُصُولِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ إِلَّا مِنَ الْقُرْآنِ. فَإِنَّ سُكُونَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ مِنْ يَقِينِهِ. وَاضْطِرَابَهُ وَقَلَقَهُ مِنْ شَكِّهِ. وَالْقُرْآنُ هُوَ الْمُحَصِّلُ لِلْيَقِينِ، الدَّافِعُ لِلشُّكُوكِ وَالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ، فَلَا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا بِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُخْتَارُ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦] .
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ ذِكْرَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ - وَهُوَ كِتَابُهُ - مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ: قَيَّضَ لَهُ شَيْطَانًا يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ عَنِ السَّبِيلِ. وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى هُدًى.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤] .
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ ذِكْرُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ - وَهُوَ كِتَابُهُ - وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُعْرِضُ عَنْهُ: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٥] .
وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْحَلِفِ: فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْمَقْصُودِ. فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ