البخاري: إن جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي، حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد، والآخر يرويه اثنان، فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به – انتهى. وقال الحازمي في كتاب الاعتبار: ومما يرجح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجانبين، وهي مؤثرة في باب الرواية؛ لأنها تقرب مما يوجب العلم، وهو التواتر- انتهى. سابعها: يحتمل أن الاقتصار على الرفع في الافتتاح كان في الابتداء ثم زيد الرفع في المواضع الثلاثة لكونه عبادة وفعلاً تعظيما, لكن خفي ذلك على ابن مسعود كما خفي عليه نسخ التطبيق والأمر بأخذ الركبة، والحاصل أنه يحتمل أن يكون ابن مسعود حكى الصلاة الأولى كما حكى التطبيق في الركوع وهو منسوخ. قال البيهقي في معرفة السنن: وقد يكون ذلك في ابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع ثم صار التطبيق منسوخاً، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه جميعاً، وخفيا جميعا على عبد الله بن مسعود-انتهى. ثامنها: أن هذا الحديث ليس بنص في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع يديه إلا مرة واحدة مع تكبيرة الافتتاح، نعم هو يدل بظاهره على ذلك, بخلاف الأحاديث المثبتة للرفع في المواضع الثلاثة، فإنها نص في الرفع في غير الافتتاح. قال الشيخ الإمام ابن تيمية في فتاواه (ج٢: ص٣٧٦) : وابن مسعود لم يصرح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع إلا أول مرة، لكنهم رأوه يصلي ولا يرفع إلا أول مرة -انتهى. ومن المعلوم أن النص مقدم على الظاهر عند التعارض. تاسعها: أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: لم يرفع يديه إلا مرة واحدة، أي لم يبالغ في الرفع إلا أول مرة، وأما بعد ذلك فكان يرفع دون ذلك، فالمراد من نفي الرفع في غير الافتتاح نفي المبالغة في الرفع في غير الافتتاح لا نفي نفس الرفع، فقد روي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً. رواه أحمد والترمذي وغيرهما. وقد فسر ابن عبد البر المد المذكور بمد اليدين فوق الأذنين مع الرأس، ومعنى قوله:"ثم لا يعود" أي إلى المبالغة في الرفع. عاشرها: أن معنى قوله: "لم يرفع يديه إلا مرة واحدة" أي لم يكرر الرفع عند الإحرام، بل اقتصر عند التحريمة على الرفع مرة. قال الشيخ الأكبر المعروف بابن عربي: وغاية المفهوم من حديث ابن مسعود والبراء أنه كان - عليه السلام - يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة لا يزيد عليها، أي أنه رفع مرة واحدة، ولم يصنع ذلك مرتين، ذكره في الفتوحات. ومعنى قوله:"ثم لم يعد" أو"لا يعود" أي إلى الرفع عند ابتداء الركعة الثانية. قال صاحب الفتوحات: معنى: "لا يعود" عدم الرفع في ابتداء الركعة الثانية كما كان في الأول. الحادي عشر: أن الرفع سنة وقد يتركها مرة أو مراراً، ولكن الفعل الأغلب والأكثر هو السنة، وهو الرفع عند الركوع وعند الرفع منه. قال السندي في حاشية النسائي: يكفي في إضافة الصلاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كونه صلى هذه الصلاة أحيانا. وإن كان المتبادر الاعتياد والدوام فيجب الحمل على كونها كانت أحياناً، توفيقاً بين الأدلة ودفعاً للتعارض. وعلى هذا فيجوز أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك الرفع عند الركوع وعند الرفع منه إما لكون الترك سنة كالفعل، أو لبيان