فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير.
ــ
وقبضت عليه، فلا أضعيه. ويؤيده قول الراوي. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما هذا) أي الرجل. (فقد ملأ يديه من الخير) . قال ابن حجر: كناية عن أخذه مجامع الخير بامتثاله لما أمر به. قلت: وقع في رواية لأحمد (ج٤: ص٣٥٣) : ثم أدبر وهو ممسك كفيه، بدل قوله: فقال هكذا بيديه وقبضهما. ورواية أحمد هذه ظاهرة في أن الإشارة باليدين كانت من هذا الرجل لا من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالمأمور هو المشير. واعلم: أنهم اختلفوا في تعيين محمل الحديث، فقال الطيبي: الظاهر أنه أراد أنى لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن واتخذه ورداً لي فعلمني ما أجعله ورداً لي، فأقوم به آناء الليل وأطراف النهار، فلما علمه ما فيه تعظيم لله تعالى طلب ما يحتاج إليه من الرحمة والعافية والهداية والرزق. ويؤيد ما ذكرنا من أن مطلوبه ما يجعله ورداً له لا يفارقه أبداً، قبضه بيديه. أي أنى لا أفارقه ما دمت حياً. وتوهم بعضهم من إيراد هذا الحديث في هذا الباب أن هذه القصة في الصلاة، فقال: لا يجوز ذلك في جميع الأزمنة؛ لأن من قدر على تعلم هذه الكلمات يقدر على تعلم فاتحة الكتاب لا محالة، بل تأويله أني لا أستطيع أن أتعلم شيئاً من القرآن في هذه الساعة وقد دخل علي وقت الصلاة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل سبحان الله، الخ. فمن دخل عليه وقت صلاة مفروضة ولم يعلم الفاتحة، وعلم شيئاً من القرآن، لزمه أن يقرأ بقدر الفاتحة عدد آيات وحروف، فإن لم يعلم شيئاً منه يقول هذه الكلمات، فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم. وفيه: بُعد، لأن عجز العربي المتكلم بمثل هذا الكلام عن تعلم ما تصح به صلاته من القرآن مستبعد جداً، وأنى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرخص في الاكتفاء بالتسبيح على الإطلاق من غير أن يبين ماله وما عليه-انتهى. ونقل ميرك عن زيد بن العرب أنه قال: وكل هذا خلاف الظاهر، بل قوله "فعلمني ما يجزئني" مع إيراد المحدثين لهذا الحديث في هذا الباب يدل أيضاً على أن المراد القدر المجزئ في الصلاة وإلا لكان إيراده في باب التسبيح أليق، وما ذكره من الاستبعاد فغير بعيد، لأنه كما أن من العرب من هو في غاية الفصاحة والبلاغة فمنهم من هو في غاية الجلافة والبلادة-انتهى. قلت: الظاهر أن الحديث وارد في الصلاة لما مر من حديث رفاعة للترمذي في باب صفة الصلاة. قال: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به، ثم تشهد، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله، ثم اركع. فإنه يدل على أن من لم يحفظ القرآن يجزئه الحمد والتكبير والتهليل، وهو مع حديث الباب دليل على أن هذه الأذكار قائمة مقام الفاتحة وغيرها لمن لا يستطيع أن لا يتعلم القرآن، وليس فيه ما يقتضي التكرار، فظاهره أنها تكفي مرة. وقد ذهب البعض إلى أنه يقولها ثلاث مرات. قال الخطابي في المعالم (ج١: ص٢٠٧) : الأصل أن الصلاة لا تجزئ إلا بقراءة فاتحة الكتاب، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، ومعقول أن وجوب قراءة فاتحة الكتاب إنما هو على من أحسنها دون من لا يحسنها، فإذا كان المصلي لا يحسنها، وكان يحسن شيئاً من القرآن غيرها، كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات، لأن أولى الذكر بعد فاتحة الكتاب ما كان مثلاً