(ص١٨٦) : فإن قلت آخذاً من فتح التقدير: السكوت في معرض البيان بيان، فلو كان التحميد أيضاً مشروعاً للإمام لبينه، فلما سكت عنه علم أنه ليس مشروعاً له. قلت: هذا إنما يستقيم لو كان الموضع موضع بيان أذكار الإمام والمؤتم، وهو ممنوع، فإن الظاهر من التعليق أنه موضع بيان وقت ذكر المقتدي أنه حين قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فلا ينافيه مشروعية الذكر الآخر بعده للإمام، على أن اعتبار السكوت في موضع البيان إنما هو إذا لم يوجد حكم المتنازع فيه من موضع آخر، وأما إذا وجد حكمه صريحاً موافقاً أو مخالفاً فلا اعتبار له، كما صرحوا به في مواضع، وههنا قد وجدت مشروعية التحميد بدليل آخر، وهو ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، والبخاري من حديث ابن عمر، ومسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى، ومن حديث علي بن أبي طالب أنهم قالوا في وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان حين يرفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد. فهذا صريح في مشروعية التحميد للإمام. فإن قلت: آخذاً من فتح القدير: إن أحاديث الجمع فعلية، وحديث القسمة قولي، والقول النبوي مقدم على فعله كما هو مقرر في مقره. قلت: هذا إذا كان القول دالاً صراحة على خلاف الفعل، وههنا ليس كذلك. وأي ضرورة دعت إلى حمل الحديث السابق على القسمة حتى ينافي حديث الفعل. فإن قلت: لعل زيادة التحميد كانت في النوافل. قلت: هذا مقام لا يكفي فيه ليت ولعل. والحمل بمجرد الاحتمال مستبعد جداً مع كون غالب أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإمامة. وبالجملة فالاكتفاء بالتسميع وإن كان مشى عليه أرباب المتون لكونه قول أبي حنيفة، لكن الدليل يساعد الجمع، فهو الأحق بالاختيار خصوصاً إذا وجد اختياره من جماعة من المتأخرين. وذهب إليه الصاحبان، وروي مثله عن الإمام-انتهى كلام الشيخ اللكنوي. قلت: ذهب أحمد، والشافعي، وأبويوسف، ومحمد، والجمهور إلى أن الإمام يقول: ربنا لك الحمد، بعد التسميع كالمنفرد، واختاره الفضلي، والطحاوي، والشرنبلاني، وصاحب المنية، وعامة المتأخرين من الحنفية، وهو الأصح الموافق لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأتي بالتحميد بعد قوله: سمع الله لمن حمده. قال الحافظ في الفتح: الأحاديث الصحيحة تشهد له. وأما المنفرد فحكى الطحاوي، وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما؛ للاتفاق على إتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلافه عندهم في المنفرد. وأما المأموم فقال الشافعي، وإسحاق، وعطاء، وابن سيرين، وغيرهم: هو كالإمام والمنفرد، يجمع بينهما، وذهب أحمد، ومالك، وأبوحنيفة، وصاحباه إلى أنه لا يأتي بالتسميع. واستدل الشافعي ومن وافقه بما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة" وفيه "ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركعة. ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد" بانضمام قوله - صلى الله عليه وسلم - "صلوا كما رأيتموني أصلي". وبما رواه الدارقطني عن أبي هريرة، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سمع الله لمن حمده،