للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدونها أيهم يكتبها أول)) رواه البخاري.

ــ

بذلك، أرجو الخير. فإن قلت: لم أخر رفاعة إجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى كرر سؤاله ثلاثا؟ مع وجوب إجابته عليه؛ بل وعلى غيره ممن سمع، فإنه - عليه الصلاة والسلام - عم السؤال حيث قال: من المتكلم؟ أجيب: بأنه لما يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم، ولا من واحد بعينه، وكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء، ظناً منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه، ويدل له ما في رواية سفيان، عن عبد الجبار، عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع: قال رفاعة: فوددت أني خرجت من مالي، وأني لم أشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الصلاة، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى سكوتهم فهم ذلك، فعرفهم أنه لم يقل بأساً، ويدل لذلك حديث مالك بن ربيعة عند أبي داود: قال: من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأساً، فقال: أنا قلتها، لم أرد بها إلا خيرا. والحكمة في سؤاله - صلى الله عليه وسلم - له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. (بضعة) بكسر الباء وتاء التأنيث، وهي من الثلاث إلى تسع. (يبتدرونها) أي يسارعون في كتابة هذه الكلمات. (أيهم) بالرفع على أنه مبتدأ، وخبره هو قوله "يكتبها" قاله الطيبي وغيره. و"أي" استفهامية، وتعلقت هذه الجملة الاستفهامية بمحذوف دل عليه "يبتدرونها" والتقدير: يبتدرونها ليعلموا أيهم يكتبها أول. ويجوز في "أيهم" النصب بأن يقدر المحذوف أي فينظرون أيهم. (يكتبها) أي هذه الكلمات، وأي موصولة عند سيبويه، والتقدير: يبتدرون الذي هو يكتبها أول. وأنكر جماعة من البصريين ذلك. (أول) مبني على الضم؛ لأنه ظرف قطع عن الإضافة لفظاً لا معنى، أي أولهم، والمعنى: أن كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدرها. ويروى "أول" بالفتح، ويكون حالاً وهو غير منصرف. وقال ابن الملك: أول بالنصب هو الأوجه، أي أول مرة. قال في المفاتيح: نصبه على الحال أو الظرف. وفي رواية رفاعة بن يحيى عند الترمذي: أيهم يصعد بها، ولا تعارض بين الروايتين؛ لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها. وأورد المصنف هذا الحديث في باب الركوع ليستدل به على مشروعية الذكر المذكور فيه الاعتدال من الركوع، وعلى جواز تطويل الاعتدال، ورفع الصوت به ما لم يشوش على من معه. لكن لا يتم هذا الاستدلال إلا إذا قيل: إن القصة المذكورة فيه غير قصة العطاس المذكورة في رواية رفاعة بن يحيى عند الترمذي. وأما إذا قيل باتحاد القصة والواقعة كما جزم به الحافظ وابن بشكوال، يكون الذكر المذكور ذكر العطاس الذي اتفق وقوعه عند رفع الرأس من الركوع، لا ذكر الاعتدال، ويكون الحديث دليلاً على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أبوداود، والنسائي. والعجب أن الحاكم روى حديث رفاعة بن رافع هذا في مستدركه على الصحيحين، وهو في البخاري، ورجال الحاكم رجاله، إلا أن في المستدرك من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وفي البخاري، عن القعنبي، عن مالك، وقيل: إنه يكفي هذه المغايرة بينهما للاستدراك.

<<  <  ج: ص:  >  >>