سجد ضم أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه، ويرفع مرفقيه، ويعتمد على راحتيه. قيل: ويندب ضم أصابع اليدين؛ لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة. (وأطراف القدمين) بأن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة. والحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء السبعة جميعاً؛ لأن الأمر للوجوب، وإليه ذهب طاووس، وإسحاق، وأحمد، وزفر، والشافعي في أحد قولية. وقال مالك، وأبوحنيفة، والشافعي في القول الآخر: أنه لا يجب السجود على غير الوجه. والراجح عندي ما ذهب إليه الأولون، وهو الأصح الذي رجحه الشافعي لحديث الباب، ولحديث العباس بن عبد المطلب: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب- الحديث. رواه الجماعة إلا البخاري. ولحديث البراء الآتي: إذا سجدت فضع كفيك، الخ. ولحديث ابن عمر رفعه: أن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما. رواه أحمد وأبوداود والنسائي. واحتج من قال: إن الواجب الجبهة دون غيرها بحديث المسيء صلاته حيث قال فيه: "ويمكن جبهته"، فكان قرينة على حمل الأمر ههنا على غير الوجوب. وأجيب عنه: بأن هذا لا يتم إلا بعد معرفة تقدم هذا على حديث المسيء صلاته ليكون قرينة على حمل الأمر على الندب، وأما لو فرض تأخره لكان في هذا زيادة شرع، ويمكن أن تتأخر شرعيته، ومع جهل التاريخ يرجح العمل بالموجب لزيادة الاحتياط. وقال ابن دقيق العيد: هذا غايته أن تكون دلالته. (أي دلالة حديث المسيء صلاته) دلالة مفهوم لقب أو غاية، والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه، وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم. قال: وأضعف من هذا استدلالهم بحديث: "سجد وجهي"، قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه، فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه. وقال ابن قدامة: سجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه. قال ابن دقيق العيد: وأضعف من هذا الاستدلال على عدم الوجوب بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة، فإن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى فلا تترك. وأضعف من هذا المعارضة بقياس شبهي ليس بقوي مثل أن يقال: أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء سوى الجبهة. قال ابن قدامة: سقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود، فإنا نقول كذلك في الجبهة على رواية، وعلى الرواية الأخرى فإن الجبهة هي الأصل وهي مكشوفة عادة بخلاف غيرها- انتهى. قال ابن دقيق العيد: وظاهر الحديث أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء؛ لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها، ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة، وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف، وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة- انتهى. ويمكن أن يخص ذلك بلابس الخف لأجل الرخصة، وأما كشف اليدين والجبهة، فقيل: يجب،