أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة)) رواه الترمذي.
ــ
هو الأصل، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره-انتهى. وهذا إخبار أو ادعاء. (أنف رجل) ذكر الرجل وصف طردي فإن المرأة مثل الرجل في ذلك. (ذكرت عنده) بالبناء للمفعول. (فلم يصل علي) قال الطيبي: الفاء استبعادية، وقيل: إنها للتعقيب فتقيد به ذم التراخي عن الصلاة عليه عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -. قال الشوكاني في تحفة الذاكرين (ص٢٥) : في الحديث دليل على وجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره؛ لأنه لا يدعو بالذل والهوان على من ترك ذلك إلا وهو واجب عليه-انتهى. (ثم انسلخ) أي انقضى. قال ابن حجر: وجه الإتيان بثم هنا أن بين ابتداء رمضان وانقضائه مهلة طويلة بخلاف سماع ذكره عليه السلام والصلاة عليه، فإنها تطلب عقب السماع من غير مهلة، وكذا بر الوالدين فإنه يتأكد عقب إحتياجهما المكنى عنه بالكبر. وقال الطيبي:"ثم" هذه استبعادية كما في قولك لصاحبك: بئس ما فعلت، وجدت مثل هذه الفرصة ثم لم تنتهزها. وكذلك الفاء في قوله "فلم يصل علي" و"فلم يدخلاه الجنة" ونظير وقوع الفاء موقع "ثم" الاستبعادية قوله تعالى. {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها}[٥٧:١٨] في سورة الكهف، و {ثم أعرض عنها}[٢٢:٣٢] في السجدة. وقد تقرر أن قوله "رغم أنف فلان" كناية عن غاية الذل والهوان، وأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن تعظيمه وتبجيله، فمن عظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظمه الله ورفع قدره في الدارين، ومن لم يعظمه أذله الله وأهانه، فالمعنى بعيد من العاقل بل من المؤمن المعتقد أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه، فيفوز بعشر صلوات من الله عزوجل، ويرفع عشر درجات له، ويحط عشر خطيئات عنه، ثم لم يغنمه حتى يفوت عنه، فحقيق بأن يحقره الله تعالى. ويضرب عليه الذلة والمسكنة، وكذا شهر رمضان، شهر الله المعظم الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن وجد فيه فرصة تعظيمه بأن قام فيه إيماناً واحتساباً عظمه الله، ومن لم يعظمه يحقره الله، وتعظيم الوالدين مستلزم لتعظيم الله تعالى، ولذلك قرن الله الإحسان إليهما، وبرهما بتوحيده وعبادته في قوله:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}[٢٣:١٧] ، فمستبعد ممن منح ووفق للإحسان إليهما لا سيما في حال كبرهما، وأنهما عنده في بيته كلحم على وضم، ولا كافل لهما سواه إن لم يغتنم هذه الفرصة، فجدير بأن يهان ويحقر شأنه-انتهى. (قبل أن يغفر له) قال الطيبي: الظاهر "ولم يغفر له" وإنما عدل تنبيهاً على أن تراخي الغفران من تقصيره، وكان حقه أن يغفر له قبل انسلاخه. (فلم يدخلاه) أي أو لم يدخله. (الجنة) لما كان دخول الجنة من الله تعالى بواسطة برهما والإحسان إليهما، أسند إليهما إسناداً مجازياً كما في قولك "أنبتت الربيع البقل" مبالغة، قاله الطيبي. (رواه الترمذي) في الدعوات وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه،