إني أكثر الصلاة عليك. فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قلت: الربع؟ قال: ما شئت. فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفي همك، ويكفر لك ذنبك))
ــ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس! أذكروا الله، أذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه. قال أبي: فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! (إني أكثر الصلاة) أي الدعاء، فالمراد بالصلاة هنا الدعاء، ومن جملته الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس المراد الصلوات ذات الأذكار والأركان. (فكم أجعل لك من صلاتي؟) أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي، قاله القاري. وقال المنذري في الترغيب، معناه: أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟. (ما شئت) أي اجعل مقدار مشيئتك. (الربع) بضم الباء وتسكن، أي اجعل ربع أوقات دعائي لنفسي مصروفاً للصلاة عليك. (أجعل لك صلاتي كلها) أي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي. (إذا) بالألف منوناً. (تكفي) مخاطب مبني للمفعول. (همك) مصدر بمعنى المفعول، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لتكفي، فإنه يتعدى إلى مفعولين، والمفعول الأول المرفوع بما لم يسم فاعله، وهو أنت، والهم ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة على كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي أعطيت مرام الدنيا والآخرة، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يكفي في قضاء حوائجه ومهماته. (ويكفر) بنصب الفاء من التكفير. (ذنبك) بضم الباء الموحدة. ولفظ الترمذي "ويغفر ذنبك". وفي هاتين الخصلتين أي كفاية الهم ومغفرة الذنب جماع خير الدنيا والآخرة، فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها، لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة، ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة؛ لأنه لا يوبق العبد فيها إلا بذنوبه. قال التوربشتي: معنى الحديث: كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي؟ ولم يزل يفاوضه ليوقفه على حد من ذلك، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحد له ذلك لئلا تلتبس الفضيلة بالفريضة أولا، ثم لا يغلق عليه باب المزيد ثانياً، فلم يزل يجعل الأمر إليه داعيا لقرينة الترغيب والحث على المزيد، حتى قال: أجعل صلاتي كلها لك، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي، فقال: إذا تكفي همك، أي ما أهمك من أمر دينك ودنياك، وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه، وإيثاره بالدعاء على نفسه ما أعظمه، من خلال جليلة الأخطار، وأعمال كريمة الآثار. قال الطيبي: وقد تقرر أن العبد إذا صلى مرة على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عزوجل عشرة، وأنه إذا صلى وفق الموافقة لله تعالى دخل في زمرة الملائكة المقربين في قوله تعالى:{إن الله وملائكته يصلون على النبي}