٩٦٤- (١٩) وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة تسليمة
تلقاء وجهه، ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئاً)) رواه الترمذي.
ــ
وإليه ذهب مالك، والشافعي، قالا: يجوز أن يدعوا بكل شيء من أمور الدين والدنيا مما يشبه كلام الناس ما لم يكن إثماً، ولا يبطل صلاته بشيء من ذلك. واحتج لهما بحديث: سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم، والملح لقدوركم. وقال أحمد وأبوحنيفة: لا يدعوا إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن العظيم، أو التي شابهت الألفاظ المأثورة. قال ابن قدامة: والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثورة وما أشبه- انتهى. قلت: لا دليل على هذا التقييد لا من كتاب الله، ولا من سنة رسوله، ولا من قول صحابي فلا يلتفت إليه. (رواه النسائي) ورجاله ثقات.
٩٤٦- قوله:(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة تسليمة تلقاء وجهه) أي يبتدئ بها وهو مستقبل القبلة، قاله ابن حجر. وقال القاري: أي يبدأ بالتسليم محاذاة وجهه ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئاً أي يسيراً. والحديث فيه دليل على مشروعية التسليمة الواحدة في الصلاة، وقد تقدم ذكر من ذهب إلى ذلك. والحديث ضعيف كما ستعرف. والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن المشروع والمسنون تسليمتان لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين، وصحة بعضها، وحسن بعضها، واشتمالها على الزيادة، وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة، فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة، مع أنه يحتمل أن يكون المقصود من أحاديث التسليمة الواحدة بيان أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالتسليمة الواحدة ورفع بها صوته ويسمعهم التسليمة الواحدة، لا أنه يقتصر على التسليمة الواحدة. فمعنى هذه الأحاديث يرجع إلى أنه يسمعهم التسليمة الواحدة يدل على ذلك ما وقع في رواية لأحمد في قصة صلاة الليل: ثم يسلم تسليمة واحدة "السلام عليكم" يرفع بها صوته حتى يوقظنا. وما وقع في حديث ابن عمر عند أحمد: قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها. وقيل: إن التسليمة الواحدة كانت منه - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان في صلاة الليل، والصحابة الذين رووا عنه التسليمتين إنما يحكون التسليم الذي رأوه في صلاته في المسجد وفي الجماعة، قيل: يمكن أنه اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على التسليمة الواحدة في بعض الأحيان في صلاته بالجماعة في المسجد لبيان الجواز، فيجوز أنه فعل الأمرين ليبين الجائز والمسنون. وقيل: في حديث عائشة الذي ذكره المصنف: أنه ليس المقصود منه بيان عدد التسليم بل بيان كيفية التسليم بأنه كان يبتدئ به محاذاة وجهه، ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئاً يسيراً، وترك بيان كيفية التسليم الثاني اكتفاء بالأول. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً الدارقطني والحاكم، والبيهقي كلهم من طريق عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة.