ثم انفتل كانفتال أبي رمثة- يعني نفسه- فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب عمر، فأخذ بمنكبيه، فهزه، ثم قال: اجلس، فإنه لن يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلاتهم فصل. فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصره، فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطاب)) .
ــ
الأيمن في الأولى، والأيسر في الثانية. (ثم انفتل) أي انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم -. (كانفتال أبي رمثة) أي كانفتالي جرد عن نفسه أبا رمثة، ووضعه موضع ضميره مزيداً للبيان، واستحضاراً لتلك الحال في مشاهدة السامع، كما قاله الطيبي. ولذا قال الراوي. (يعني) أي يريد أبورمثة بقوله: أبي رمثة. (نفسه) أي ذاته لا غيره. (يشفع) بالتخفيف ويشدد، قال الطيبي: الشفع ضم الشيء إلى مثله يعني قام الرجل يشفع الصلاة بصلاة أخرى. (فوثب عمر) أي قام بسرعة، وفي أبي داود " فوثب إليه عمر". (بمنكبيه) بالتثنية. (فهزّه) بالتشديد أي فحركة بعنف. (فإنه) أي الشأن. (لن يهلك) كذا في جميع النسخ للمشكاة، وفي سنن أبي داود "لم يهلك". والظاهر أن ما في المشكاة خطأ من المصنف أو من الناسخ وهو بضم الياء. (أهل الكتاب) بالنصب ويجوز فتح الياء ورفع أهل. (إلا أنه) أي الشأن، وفي بعض النسخ لأبي داود "إلا أنهم". (لم يكن بين صلاتهم) أي بين صلواتهم إذ "بين" لا يدخل إلا على متعدد. (فصل) الفصل بين الفريضة والسنة قد يكون بالتنحي والتحول أي التقدم أو التأخر، وقد يكون بالزمان سواء اشتغل فيه بالذكر أو كان ساكتاً عنه، والظاهر أن المراد بالفصل ههنا الفصل بالزمان لا الفصل بالتقدم أو التأخر؛ لأنه قال عمر للرجل الذي قام يشفع بعد السلام: اجلس، ولم يقل تقدم أو تأخر. وإيراد المصنف هذا الحديث في هذا الباب يدل على أنه فهم من عدم الفصل فيه ترك الذكر بعد الصلاة، يعني فينبغي للمصلي أن يشتغل بعد السلام بالذكر الوارد ثم يصلي الراتبة، ففيه دليل على عدم وصل التطوع بالفريضة. قال الطيبي: يحتمل أن يراد بعدم الفصل ترك الذكر بعد السلام، والتقدير: لن يهلكهم شيء إلا عدم الفصل، واستعمل "لن" في الماضي معنى ليدل على استمرار هلاكهم في جميع الأزمنة، قال الجوهري: هلكه يهلكه وهلك بنفسه هلاكاً-انتهى. وفي القاموس: هلك كضرب ومنع وعلم هلكاً- بالضم- ومهلكة وتهلكة- مثلثي اللام- مات، وأهلكه واستهلكه وهلكه يهلكه لازم ومتعدٍ-انتهى. وعلى تقدير كونه لازماً في الحديث فالتقدير: ما هلكوا إلا لعدم كون الفصل بين صلاتهم. وقال ابن حجر: أي ما هلك أهل الكتاب بشيء فعلوه عقب صلاتهم فإنهم هلكوا بأشياء كثيرة غير هذا، فتعين رعاية خصوص ما قدرت، خلافاً لمن قدر عاماً بسائر أحواله-انتهى. قال القاري: يريد به ابن حجر الاعتراض على الطيبي، والظاهر أن هذا الهلاك مختص بمصليهم بخلاف سائر أسباب الهلاك، أو الحصر ادعائي للمبالغة والله أعلم- انتهى. (فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصره) أي إليهما. (أصاب الله بك) قيل: الباء زائدة، وقيل: الباء للتعدية والمفعول محذوف، أي أصاب الله بك الرشد. وقال الطيبي: من باب القلب أي أصيبت الرشد فيما فعلت بتوفيق الله وتسديده، ونظيره:"عرضت الناقة على الحوض"، أي عرضت الحوض على الناقة، وهو باب واسع في البلاغة. وقال ابن حجر: الهمزة للتعدية، والباء