ثم قالها الثالثة، فقال رفاعة: أنا يارسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً، أيهم يصعد بها)) رواه الترمذي وأبوداود والنسائي.
١٠٠٠- (١٦) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع))
ــ
منكر، ظناً منهم أن هذا القول غير جائز في الصلاة، كان ذلك سبباً لعدم الإجابة هيبة وإجلالاً، فلما زال التوهم في المرة الثانية أجاب بقوله "أنا". (فقال رفاعة) فيه تجريد، وأصله فقلت. (أنا) أي المتكلم. (لقد ابتدرها) أي استبق إليها. (أيهم يصعد بها) أي يسبق بعضهم بعضاً؛ لأن يصعد بها، قاله ابن الملك. وقال الطيبي: الجملة سدت مسد مفعولي ينظرون المحذوف على التعليق. والحديث فيه دليل على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، ويؤيد ذلك عموم الأحاديث الواردة بمشروعيته، فإنها لم تفرق بين الصلاة وغيرها، وعلى جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر المذكور ما لم يشوش على من معه. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج٢: ص٩٥) وحسنه الترمذي، وسكت عنه أبوداود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره، وأصل الحديث في صحيح البخاري، لكن ليس فيه ذكر العطاس، ولا زيادة "كما يحب ربنا ويرضى". ولم يعين فيه الرجل القائل بل أبهمه، وزاد فيه أن ذلك عند رفع الرأس من الركوع. وقد أورده المصنف في باب الركوع، وتقدم هناك شرحه، ويجمع بين الروايتين بأن الرجل المبهم في رواية البخاري هو رفاعة كما في حديث الباب، ولا مانع أن يكني عن نفسه إما لقصد إخفاء عمله، أو لنحو ذلك، ويجمع بأن عطاسه وقع عند رفع رأسه من الركوع، لكن إيراد المصنف رواية البخاري في باب الركوع، ورواية الترمذي هذه في باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه، يدل على أنه لم يذهب إلى اتحاد الواقعة في الروايتين، بل جعلهما قصتين، خلافاً لما جزم به الحافظ وابن بشكوال.
١٠٠٠- قوله:(التثاؤب) بالهمز، وقيل: بالواو. (في الصلاة من الشيطان) أضافه إلى الشيطان؛ لأنه يحبه ويتوسل به إلى ما يرضاه من قطع الصلاة والمنع من العبادة. قال ابن حجر: التقييد بالصلاة ليس للتخصيص بل؛ لأن القبح فيها أكثر؛ لأن معنى كونه من الشيطان أن أسبابه من الامتلاء والثقل وقسوة القلب هي التي من الشيطان، وهذا يوجب كونه منه في الصلاة وخارجها. ومن ثم قال النووي وغيره: يكره التثاؤب بالأذكار في الصلاة وخارجها- انتهى. (فإذا تثاءب) أي شرع في التثاءب أو أراد أن يتثاءب أو يأخذ في أسبابه. (فليكظم) أي ليدفعه وليحبسه. (ما استطاع) أي ما أمكنه بضم الشفتين، وتطبيق السن، أو بوضع الثوب، أو اليد على الفم.