وحين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفتن قال: واختلفوا فصاروا هكذا، وشبك بين أصابعه. وقيل: لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف، كما نبه عليه في حديث ابن عمر عند البخاري، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - للمصلين: ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم. قال العراقي: وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها. فيكره أيضاً في الصلاة ولقاصد الصلاة. وروى أحمد والدارقطني والطبراني من حديث أنس بن معاذ مرفوعاً: إن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة. وفي إسناده ابن لهيعة وزبان بن فائد ورشدين بن سعد وسهل بن معاذ، وكلهم ضعفاء. ويؤيده ما روى ابن ماجه من حديث علي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تفقع أصابعك في الصلاة. وفي سنده الحارث الأعور. والتفقيع هو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت، فإن قلت: أحاديث النهي عن التشبيك معارضة لحديث أبي موسى مرفوعاً: أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين: ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه. أخرجهما الشيخان. ولحديث ابن عمر قال: شبك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه. أخرجه البخاري وترجم على هذه الأحاديث باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. قلت: أحاديث النهي عن التشبيك لا تصلح لمعارضة أحاديث الجواز المروية في الصحيحين؛ لانتفاء شرط المعارضة والمقاومة، وهو المساواة في الصحة والقوة. وقيل: التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه. والذي في حديث أبي موسى وابن عمر إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس، وأما تشبيكه في قصة ذي اليدين فكان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه. ولذلك وقف كأنه غضبان. وقيل: يجمع بينها بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصداً لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي. والأحاديث الدالة على الجواز خالية عن ذلك. أما حديث أبي موسى وابن عمر فظاهران. وأما حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، فلأن تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف من الصلاة. والرواية التي فيها النهي عن ذلك مادام في المسجد ضعيفة، كما تقدم عن الحافظ. إن في إسناده ضعيفاً ومجهولاً، فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة. وقيل: يجمع بينها بأن فعله - صلى الله عليه وسلم - يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة أي لغيره، لكونه فعله نادراً أي لبيان الجواز أو المعنى كما في حديث أبي موسى وابن عمر. (رواه أحمد)(ج٤: ص٢٤١- ٢٤٢) .. (والترمذي) ولم يحكم عليه بشيء من الصحة والحسن والضعف، واشتغل عنه بذكر الاختلاف في سنده.