والإباحة، وصرفه عن الوجوب ما رواه أبويعلى والطبراني في الأوسط عن عائشة، قالت: دخل علي بن أبي طالب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فقام إلى جنبه فصلى بصلاته، فجاءت عقرب حتى انتهت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تركته، فذهبت نحو علي، فضربها بنعله حتى قتلها، فلم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلها بأساً. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج٢: ص٨٤) : رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير معاوية بن يحيى الصدفي، وأحاديثه عن الزهري مستقيمة، كما قال البخاري، وهذا منها، وضعفه الجمهور. وفي طريق الطبراني: عبد الله بن صالح كاتب الليث. قال عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة مأمون، وضعفه الأئمة أحمد وغيره-انتهى. (الحية والعقرب) بيان للأسودين. وتسمية العقرب والحية بالأسودين إما لتغليب الحية على العقرب؛ لأنه لا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية، أو لأن عقرب المدينة يميل إلى السواد. وقيل: بل لأن بعض العقارب يكون أسود، و"ال" فيهما للجنس، فيشمل كل منهما الذكر والأنثى، ويلحق بهما كل ضرار مباح القتل كالزنابير والشبثان ونحوهما، وأما القمل فقال القاضي: الأولى التغافل عنه، فإن قتلها فلا بأس؛ لأن أنساً كان يقتل القمل والبراغيث في الصلاة، وكان الحسن يقتل القمل، وقال الأوزاعي: تركه أحب إليّ، وكان عمر يقتل القمل في الصلاة، رواه سعيد، كذا في المغني (ج١: ص٦٦٧) . قال الشوكاني: والحديث يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة. وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، كما قال العراقي. وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك، منهم إبراهيم النخعي. وقال الخطابي في المعالم (ج١:ص٢١٨) : رخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين إلا إبراهيم النخعي، والسنة أولى ما اتبع-انتهى. قال العراقي: وأما من قتلها في الصلاة، أو هم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر روى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب، فضربها بنعله، ورواه البيهقي أيضاً وقال: فضربها برجله، وقال: حسبت أنها عقرب. واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين، فيجوز قتلهما في الصلاة، وإن احتاج فيه إلى المشي الكثير والمعالجة الكثيرة لإطلاق الحديث. قال ابن الهمام: الحديث بإطلاقه يشمل ما إذا احتاج إلى عمل كثير-انتهى. ولا تفسد الصلاة بذلك؛ لأنه رخصة كالمشي والعمل في سبق الحديث عند الحنفية. وفي شرح المنية قالوا: أي بعض المشائخ هذا إذا لم يحتج إلى المشي الكثير كثلاث خطوات متواليات، ولا إلى المعالجة الكثيرة كثلاث ضربات متواليات، فأما إذا احتاج فمشى وعالج تفسد صلاته كما لو قاتل؛ لأنه عمل كثير، ذكره السروجي في المبسوط. ثم قال: والأظهر أنه لا تفصيل فيه؛ لأنه رخصة كالمشي في سبق الحدث، ويؤيد إطلاق الحديث، والأصح هو الفساد، إلا أنه يباح له إفسادها لقتلهما كما يباح لإغاثة ملهوف أو تخليص أحد من الهلاك كسقوط من سطح أو حرق أو غرق، ذكره القاري في المرقاة. والحق عندنا هو عدم التفصيل، فقتلهما لا يفسد الصلاة مطلقاً لإطلاق الحديث. ذكر شيخ الإسلام السرخسي: أن الأظهر أن لا تفسد صلاته؛ لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي، فأشبه المشي بعد الحدث والاستقاء من البئر