٥٦- (٨) وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر،
ــ
أهلها، فالخيانة مخالفة لها، والخلاف في الوعد ظاهر، ولذا صرح بأخلف، قاله الطيبي. فإن قلت إذا وجدت هذه الخصال في مسلم فهل يكون منافقاً؟ أجيب بأنها خصال نفاق، لا نفاق، فهو على سبيل المجاز، أي صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر. أو المراد الاعتياد، ولذا قيد هذا بإذا المقتصية للتكرار، يعني أن المتصف بذلك هو من اجتمعت فيه هذه الخصال، واعتادها وصارت له ديدناً وعادة، واستمر عليها حتى رسخت فيه، بحيث لم يبق للصدق فيه مذهب، ولا للأمانة ممكن، ومن كان كذلك فهو بالحري أن يسمى منافقاً، فإنه لا يوجد على هذه الصفة إلا من طبع على قلبه وختم على سمعه وبصره، فأما المؤمن المقترن بتلك الخصال فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى، وإن أسر عليها زماناً أقلع عنها زماناً آخر، وإن وجدت فيه خلة عدمت منه أخرى، فمجموع الخصال الخمس على وجه الاعتياد لا يوجد في غير المنافق بنفاق الكفر. أو المراد الإنذار والتحذير من أن يعتاد هذه الخصال فتفضي به إلى النفاق الحقيقي، أي نفاق الاعتقاد والكفر. أو المراد بالنفاق هو النفاق العملي لا النفاق الإيماني أي الاعتقادي، وهذا ارتضاه القرطبي، وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، وقيل: إنها للعهد إما منافقي زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإما منافق خاص شخص بعينه. وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يواجههم بصريح القول فيقول منافق، وإنما يشير إشارة. قال الحافظ: تمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه، وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي - انتهى. قال شيخنا في شرح الترمذي: الأمر كما قال الحافظ من أن أحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي، وقد نقل الترمذي هذا القول عن أهل العلم مطلقاً - انتهى. والحديث أخرجه البخاري في الإيمان والوصايا والشهادات والأدب، ومسلم، والترمذي، والنسائي في الإيمان.
٥٦- قوله: (أربع) أي خصال أربع، أو أربع من الخصال مبتدأ، خبره (من كن فيه كان منافقاً خالصاً) أي في هذه الخصال فقط لا في غيرها، أو شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، أو المراد اجتمعن فيه على وجه الاعتياد والاستمرار والرسوخ كما تقدم، وقيل وصفه بالخلوص، يؤيد قول من قال: إن المراد النفاق العملي لا الإيماني، أو النفاق العرفي لا الشرعي؛ لأن الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار. (حتى يدعها) أي يتركها (وإذا حدث كذب) قيل: ومن حدث عن عيش له سلف فبالغ فهذا لا يضر، وإنما يضر من حدث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه قاصداً للكذب. (وإذا عاهد غدر) أي نقض العهد ابتدأ وترك الوفاء لما عاهد عليه