فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت سرعان القوم من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبوبكر وعمر، رضي الله عنهما، فهاباه أن يكلماه،
ــ
الجذع دفن في قبلة المسجد ولا على أن عمل المنبر كان قبل بدر. (كأنه غضبان) قال القاري: لعل وجه الغضب تأثير التردد والشك في فعله أو كان غضبان، فوقع له الشك لأجل غضبه. (على اليسرى) أي على يده اليسرى. (وشبك بين أصابعه) أي أدخل بعضها في بعض من فوق الكف. (وخرجت سرعان القوم) وفي بعض النسخ الناس بدل القوم. ولفظ البخاري ههنا خرجت السرعان أي بالألف واللام وبدون الإضافة. نعم في رواية أخرى له ولمسلم: خرج سرعان الناس، وهو بفتح السين والراء المهملتين وضم النون فاعل خرجت. ومنهم من سكن الراء، والمراد بهم أوائل الناس خروجاً من المسجد. والمستعجلون منهم، وهم أهل الحاجات غالباً، قال الجزري: السرعان بفتح السين والراء: أوائل الناس الذي يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز تسكين الراء، قال عياض: وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء، ويكون جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان وهو المسرع الخروج، ومن قال سرعان بكسر السين فهو خطأ؛ لأنه إنما هو في سرعان الذي هو اسم فعل أي سرع. (فقالوا قصرت الصلاة) كذا في جميع النسخ بدون همزة الاستفهام، وكذا وقع في رواية للبخاري، لكن وقع في رواية البخاري هذه، فقالوا: أقصرت أي بذكر همزة الاستفهام، قال الحافظ: فتحمل تلك على هذه، وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم. وهابوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسألوه وإنما استفهموه؛ لأن الزمان زمان النسخ - انتهى. وقصرت بفتح القاف وضم الصاد على البناء للفاعل أي صارت قصيرة. وروي بضم القاف وكسر الصاد على البناء للمفعول، أي أن الله قصرها. قال النووي: كلاهما صحيح ولكن الأول أشهر وأصح. وقال ابن رسلان: الفعل لازم ومتعد فاللازم مضموم الصاد؛ لأنه من الأمور الخلقية كحسن وقبح، والمتعدي بفتح الصاد منه قصر الصلاة وقصرها بالتخفيف والتشديد وأقصرها على السواء، حكاهن الأزهري. (وفي القوم) أي المصلين. (فهاباه) من الهيبة وهو الخوف والإجلال، أي فخاف أبوبكر وعمر النبي - صلى الله عليه وسلم - تعظيماً وتبجيلاً وإجلالاً له. (أن يكلماه) بما وقع له أنه سهواً وعمداً، وبأنه سلم من ركعتين، فإن يكلماه بدل اشتمال من ضمير "هاباه" لبيان أن المقصود هيبة تكليمه، لا نحو نظره واتباعه. يروى "فهابا" بدون الضمير المنصوب، وأن مصدرية. والتقدير من التكليم. قال الطيبي: أي فخشيا أن يكلما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نقصان الصلاة. والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه. وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. وقيل: خشيا أن