ولفظه للبخاري، وفي أخرى لهما: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدل:"لم أنس، ولم تقصر": "كل ذلك لم يكن"، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله!
ــ
وغيرهم. قال ابن حجر: أي اتفقا على المقصود منه، فلا ينافيه خلو حديث مسلم عن ذكر وضع اليد على اليد، والتشبيك. قال الحافظ في التلخيص. (ص١١٢) لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ، وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي، وتكلم عليه كلاماً شافياً - انتهى. (ولفظه للبخاري) في باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. (وفي أخرى) أي في رواية أخرى. (لهما) أي للشيخين. وفيه نظر؛ لأن هذه الرواية من إفراد مسلم، وليست للبخاري. (كل ذلك) أي كل من النسيان والقصر. (لم يكن) أي في ظني، أي لم يكن لا ذلك ولا ذا في ظني، بل ظني أني أكملت الصلاة أربعاً، فهو في معنى لا شيء منهما بكائن على شمول النفي وعمومه لثلاثة وجوه: أحدها الرواية المتقدمة لم أنس ولم تقصر. والثاني القاعدة المتقدمة عن علماء المعاني. والثالث أنه قال ذو اليدين في جوابه - صلى الله عليه وسلم - قد كان بعض ذلك. ومعلوم أن الثبوت للبعض أنما ينافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع. وقوله: قد كان بعض ذلك، موجبة جزئية ونقيضها السالبة الكلية، ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئي. (فقال) أي ذو اليدين. (قد كان بعض ذلك) يعني قصرت الصلاة، ولكن لا أدري قصرتها سهواً أو أمر الله تعالى بقصرها، قاله القاري. واعلم أن حديث ذي اليدين هذا فيه فوائد كثيرة وقواعد مهمة: منها جواز النسيان في الأفعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه. ومنها أن الواحد إذا ادعى شيئاً جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا، ولا يعمل بقوله من غير سؤال. ومنها إثبات سجود السهو، وأنه سجدتان، وأنه يكبر لكل واحد منهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة، وأنه يسلم من سجود السهو. ومنها جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهواً وإن طال زمن الفصل. ومنها أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام، وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهواً لا يقطع الصلاة. ومنها أنه يرجع الإمام لقول المأمومين إذا شك. ومنها جواز التقليب الذي سبيله التعريف دون التهجين. ومنها أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو، ولو اختلف الجنس؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - سلم وتكلم ومشى ناسياً ولم يسجد إلا سجدتين. وروى ابن أبي شيبة عن النخعي والشعبي: أن لكل سهو سجدتين، وورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد وأبي داود والبيهقي (ج٢: ص٣٣٧) . وحمل على أن معناه من سها بأي سهو كان شرع له السجود، أي لا يختص بالمواضع التي سها فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بالأنواع التي سها بها. فالحديث سيق للعموم لكل ساه لا لتعدد السجود عند تعدد مقتضيه. وروى البيهقي (ج٢: ص٣٤٦) من حديث عائشة سجدتا السهو تجزءان من كل زيادة ونقصان. ومنها أن من ظن أنه فعل شيئاً فقال فعلته أو قال: ما فعلته، وفي ظنه