وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله! فذكر له صنيعه، فخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم. فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم)) .
ــ
آثار السنن، وهو الظاهر عندي أيضاً، لكن الخرباق ذا اليدين السلمي هذا غير ذي الشمالين عمير بن عبد عمرو ابن نضلة الخزاعي المستشهد ببدر، لا كما زعمه الحنفية أنهما رجل واحد. (وكان في يديه طول) أي بالنسبة إلى سائر الناس، ولذا كان يقال له ذو اليدين. وفي رواية لمسلم: فقام رجل بسيط اليدين. (فذكر له صنيعه) أي من تسليمه في ثلاث ركعات، وأن ذلك هل هو لنسيان أو لقصر الصلاة. (فخرج) أي من منزله. (غضبان) لأمر. (يجر رداءه) أي مستعجلاً يعني لكثرة اشتغاله بشأن الصلاة خرج يجر رداءه، ولم يتمهل ليلبسه. (ثم سلم) أي للتحلل من الصلاة. (ثم سجد سجدتين) أي للسهو بعد السلام. (ثم سلم) لسجود السهو. هذا، وقد تقدم أنه ذهب الأكثر إلى أن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وحديث عمران هذا قضية واحدة. وجنح ابن خزيمة ومن تبعه كالنووي وأبي حاتم بن حبان إلى التعدد. قال الحافظ في الفتح: والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين. ففي حديث أبي هريرة إن السلام وقع من اثنتين، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قام إلى خشبة في المسجد. وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة. فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة. (يعني في إرادة ابتداء الثالثة) واستبعده، ولكن طريق الجمع يكتفي فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، واستفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة عن صحة قوله. وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله. فإن كان كذلك، وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه، كما أخرجه الشافعي وأبوداود وابن ماجه وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه أبوبكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وأبوبكر بن أبي حثمة وغيرهم. وقد تقدم ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما، وذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة: نبئت أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم" - انتهى كلام الحافظ. وقال السندي: في حاشية النسائي كلام المصنف يشير إلى أن الواقعة متحدة، وهو أظهر. وعلى هذا كونه سلم من ركعتين أو ثلاث، وكذا كونه دخل البيت أو قعد في ناحية المسجد وغير ذلك مما اشتبه على الرواة لطول الزمان. ويحتمل تعدد الواقعة. وقال في حاشية ابن ماجه: الظاهر أن اختلاف الرواية ليس محمله اختلاف الواقعة، بل محمله نسيان بعض الرواة بعض الكيفيات بمضي الأزمنة، وهم ما كانوا يكتبون الوقائع، بل كانوا يحفظونها بالقلب. وهذا غير مستبعد عند من تتبع الأحاديث. قلت: وذهب بعض العلماء إلى ترجيح حديث أبي هريرة على حديث عمران