فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه، وكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة،
ــ
هذين القولين: وحمله على العموم نظراً إلى العلة، إلحاقاً للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد- انتهى. قلت: حديث عائشة الآتي يؤيد العموم. (فابدؤوا بالعشاء) أي بأكله، واختلفوا في هذا الأمر، فالجمهور على أنه للندب. وقيل: للوجوب، وبه قالت الظاهرية. واستدل الجمهور بفعله عليه السلام من كونه ألقى الكتف أثناء أكله منها حين دعي إلى الصلاة. أخرجه البخاري من حديث عمرو بن أمية؛ لأنه لو كان تقديم الأكل واجباً لما قام إلى الصلاة. وتعقب بأنه يحتمل أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا تتم الدلالة به، ثم اختلف الجمهور، فمنهم من قيده بمن إذا كان محتاجاً إلى الأكل شديد التوقان إليه، وهو المشهور عن الشافعية، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول. ومنهم من قيده بما إذا كان الطعام خفيفاً أو مما يؤتى عليه مرة واحدة كالسويق واللبن، وإلا يبدأ بالصلاة، نقله ابن المنذر عن مالك. ومنهم من لم يقيده، وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي. وأفرط ابن حزم وقال: تبطل الصلاة. والراجح عندي ما قاله أحمد ومن وافقه، فيستحب تقديم العشاء مطلقاً أي سواء كان محتاجاً إليه أم لا، وسواء كان خفيفاً أم لا، وسواء خشي فساد المأكول أم لا. واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله: فابدؤوا، على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع فيه ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، لكن صنيع ابن عمر يبطل ذلك. قال النووي: وهو الصواب. وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له، وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه؛ لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية الذي أشرنا إليه، نعم ينبغي أن يدار الحكم مع العلة وجوداً أو عدماً، ولا يتقيد بكل ولا بعض. (ولا يعجل) أي أحدكم إلى الصلاة. (حتى يفرغ منه) أي من أكل العشاء. قال الطيبي: أفرد قوله: "يعجل" نظراً إلى لفظ "أحد" وجمع قوله "فابدؤوا" نظراً إلى لفظ "كم". قال: والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء، ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه- انتهى. وأجاب البرماوي بأن النكرة في الشرط تعم فيحتمل أن الجمع لأجل عموم أحد- انتهى. وقال القاري: الظاهر أن الخطاب بالجمع لإفادة عموم الحكم، وأنه غير مختص بأحد دون أحد، أو المراد به الموافقة معه، ثم أداء الصلاة جماعة، لينال الفضيلة. والحديث دليل على أن تقريب الطعام ووضعه بين يدي الآكل من أعذار ترك الجماعة. (وكان ابن عمر) هو موصول عطفاً على المرفوع السابق، مقولة نافع. (يوضع له الطعام) هو أعم من العشاء. (وتقام الصلاة) أي جماعة مغرباً أو غيرها، لكن رواه البيهقي والسراج بسندهما عن نافع بلفظ: وكان ابن عمر إذا حضر عشاءه. ورواه ابن حبان بسنده عن نافع أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس، وكان أحياناً يلقاه وهو صائم، فيقدم له عشاءه وقد نودي للصلاة، ثم تقام وهو يسمع، فلا يترك عشاءه ولا يعجل