للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل ذلك فقد خانهم. ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف)) .

ــ

فقد روى من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن هرمز عن يزيد بن أبي مريم عن عبد الله بن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح: اللهم اهدنا فيمن هديت الخ، لكن الأكثر الأشهر هو إفراد الضمير في هذا الدعاء، وفي صحة حديث ابن عباس عندي نظر. (ولا ينظر) بالرفع ويجوز الجزم. (في قعر بيت) بفتح القاف وسكون العين أي داخل مكان مستور للغير. (قبل أن يستأذن) بالبناء للفاعل أي أهله فيؤذن. قال ابن الملك: احترازاً أن يقع نظره على العورة. (فإن فعل) أي فإن نظر فيه قبل الاستيذان من جحر أو غيره. (فقد خانهم) قال الطيبي: شرعية الاستيذان لئلا يهجم قاصد على عورات البيت، فالنظر في قعر البيت خيانة. قلت: وفي المصابيح وأبي داود وجامع الأصول "فقد دخل" بدل قوله "فقد خانهم" أي فقد ارتكب إثم من دخل البيت بغير استئذان. قال ابن العربي: الإطلاع على الناس حرام بالإجماع فمن نظر داره فهو بمنزلة من دخل داره. (ولا يصل) بكسر اللام المشددة وحذف حرف العلة للجزم. وفي بعض النسخ ولا يصلي أي بإثبات الياء، وكذا وقع في المصابيح وأبي داود وجامع الأصول. (وهو حقن) بفتح الحاء المهملة وكسر القاف، أي وهو يؤذيه الغائط أو البول، والجملة حال. قال الجزري: الحاقن والحقن بحذف الألف بمعنى، والحاقن هو الذي حبس بوله مع شدته، والحاقب هو الحابس للغائط، والمراد هنا بالحاقن ما يعم حبس الغائط، وهو من باب الاكتفاء. (حتى يتخفف) بمثناه تحتية مفتوحة ففوقية أي يخفف نفسه بخروج الفضلة ويزيل ما يؤذيه من ذلك. قلت: فإن فعل ذلك فقد خان نفسه. قال الطيبي: الصلاة مناجاة وتقرب إلى الله سبحانه واشتغال عن الغير، والحاقن كأنه يخون نفسه في حقها، ولعل توسيط الاستيذان بين حالتي الصلاة للجمع بين مراعاة حق الله تعالى وحق العباد، وخص الاستيذان أي من حقوق العباد؛ لأن من راعى هذه الدقيقة فهو بمراعاة ما فوقها أحرى- انتهى. والحديث قد استدل به من ذهب إلى فساد صلاة من صلى وهو حاقن وإن أكمل صلاته ولم يترك فرضاً من فرائضها خلافاً للجمهور. قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم، اختلافهم في النهي هل يدل فساد المنهى عنه أم ليس يدل على فساده وإنما يدل على تأثيم من فعله فقط إذا كان أصل الفعل الذي تعلق النهي به واجباً أو جائزاً، وقد تمسك القائلون بفساد صلاته بحديث رواه الشاميون منهم من يجعله عن ثوبان، ومنهم من يجعله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جداً. قال أبوعمر ابن عبد البر: وهو ضعيف السند لا حجة فيه- انتهى. قلت: حديث ثوبان هذا ليس بضعيف بل صحيح أو حسن كما ستعرف، فهو حجة بلا شك، لكن في الاستدلال به على فساد صلاة الحاقن نظر، وأما كراهة صلاة الحاقن وكونه آثما فلا خفاء فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>