قال:((يارسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي من رخصة؟ قال: هل تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فحي هلا. ولم يرخص)) . رواه أبوداود والنسائي.
ــ
وهاجر قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ثلاث عشرة مرة يصلي بالناس، وشهد القادسية وقتل بها شهيداً وكان معه اللواء يومئذٍ وهو الأعمى المذكور في {عبس وتولى}[٨٠: ١] . وقيل: رجع من القادسية إلى المدينة فمات بها، ولم يسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب له عند أبي داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث الواحد. (كثيرة الهوام) أي المؤذيات من العقارب والحيات جمع هامة، وهي كل ذات سم يقتل، وما يسم ولا يقتل فسامه كالعقرب والزنبور، وقد تقع الهامة على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل ومنه أيؤذيك هو أم رأسك أراد القمل كذا في المجمع. (والسباع) كالذئاب أو الكلاب. (وأنا ضرير البصر) أي أعمى. (فهل تجد لي من رخصة) أي في ترك الجماعة. (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني هل تسمع الأذان وإنما خص اللفظان لما فيهما من معنى الطلب والترغيب. (فحي هلا) بالتنوين وجاء بالألف بلا تنوين وسكون اللام وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحي بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع، وجمع بينهما للمبالغة. قال في شرح المفصل: هو اسم من أسماء الأفعال مركب من حي وهل، وهما صوتان، معناهما الحث والاستعجال، وجمع بينهما وسمي بهما للمبالغة. وكان الوجه أن لا ينصرف كحضر موت وبعلبك، إلا أنه وقع موقع فعل الأمر فبني كصومه، وفيه لغات، وتارة يستعمل "حي" وحده نحو حي على الصلاة، وتارة "هلا" وحدها، واستعمال حي وحده أكثر من الاستعمال هلا وحدها- انتهى. وقال الطيبي: هي كلمة حث واستعجال وضعت موضع أجب. قال ابن حجر: وآثرها لأن أحسن الجواب ما كان مشتقاً من السؤال ومنتزعاً منه. (ولم يرخص) له بالبناء للفاعل. وقيل: للمفعول. والحديث قد استدل به على أن حضور الجماعة واجب عيناً، ولو كان ندبا لكان أولى من يسمعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم، واحتج أيضاً من ذهب إلى ذلك بأن الله عزوجل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي جماعة في صلاة الخوف ولم يعذر في تركها، فعقل أنها في حال الأمن أوجب وتأول من قال بكونها فرضاً على الكفاية أو سنة بوجوه. تقدم ذكرها في شرح حديث أبي هريرة قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى الخ المتقدم في الفصل الأول. (رواه أبوداود والنسائي) أخرجه أبوداود من طريق أبي رزين الأسدي وعبد الرحمن بن أبي ليلى كلاهما عن ابن أم مكتوم. وبين ألفاظهما اختلاف. وأخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى فقط وابن ماجه من طريق أبي رزين، ولفظ الكتاب هو من رواية ابن أبي ليلى عند النسائي لكن ليس عنده، وكذا عند أبي داود قوله: وأنا ضرير البصر فهل تجد لي من رخصة، نعم يوجد نحو هذا اللفظ في رواية أبي رزين عند أبي داود وابن ماجه. والمصنف ركب الحديث