للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما انصرف. إذا هو أبي بن كعب. فقال: يا فتى! لا يسوءك الله، إن هذا عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا أن نلبه، ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة، ثلاثاً، ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا. قلت: يا أبا يعقوب! ما تعني بأهل العقد؟ قال: الأمراء)) . رواه النسائي.

ــ

(فلما انصرف) أي ذلك الرجل الذي جبذني. (إذا هو أبي بن كعب) من أكابر الصحابة (فقال) أي لي إذ فهم مني التغير بسبب ما فعله معي تطيباً لخاطري. (لا يسؤك الله) قال الطيبي: كان ظاهر لا يسؤك ما فعلت بك. ولما كان ذلك من أمر الله وأمر رسوله أسنده إلى الله مزيداً للتسلية- انتهى. والظاهر: أن معناه لا يحزنك الله بي وبسبب فعلي، من ساء الأمر فلاناً، أي أحزنه. ثم ذكر جملة مستأنفة مبينة لعلة ما فعل اعتذار إليه. (إن هذا) أي ما فعلت. (عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي وصية أو أمر منه يريد قوله: ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى. وفيه أن قيسًا لم يكن منهم، ولذلك نحاه. (إلينا أن نلبه) أي ومن يقوم مقامه من الأئمة. (ثم اسقبل) أي أبيّ. (هلك أهل العقد) بضم العين وفتح القاف يعني الأمراء، أي لأن عليهم رعاية أمور المسلمين دنياهم وأخراهم حتى رعاية صفوفهم في الصلاة، ورعاية الموقف فيها. قال الجزري في النهاية يعني أصحاب الولايات على الأمصار من عقد الألوية للأمراء، وروى العقدة يريد البيعة المعقودة للولاة. (ثلاثاً) أي قال مقوله ثلاثاً. (ما عليهم آسى) بمد الهمزة آخره ألف، أي ما أحزن من الأسى مفتوحاً ومقصوراً، وهو الحزن. (ولكن آسى على من أضلوا) قال الطيبي: أي لا أحزن على هؤلاء الجورة، بل أحزن على أتباعهم الذين أضلوهم. لعله قال ذلك تعريضًا بأمراء عهده. (قلت) هذا مقولة محمد بن عمر بن علي المقدمي شيخ النسائي. (يا با يعقوب) وفي بعض النسخ: يا أبا يعقوب بكتابة الهمزة موافقاً لما في النسائي. وهو كنية يوسف بن يعقوب السدوسي مولاهم السلعي البصري الضبعي، وثقه أحمد. وقال أبوحاتم: صدوق صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة إحدى ومائتين. (قال الأمراء) بالنصب على تقدير أعنى، وبالرفع بتقدير "هم". قال ابن حجر: أي الأمراء على الناس لا سيما أهل الأمصار، سموا بذلك لجريان العادة بعقد الألوية لهم عند التولية، وفعل أبيّ هذا مؤيد بما روي عن أنس، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه، أخرجه أحمد وابن ماجه، وبما روي عن سمرة مرفوعاً: ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة، أخرجه الطبراني في الكبير من حديث الحسن عن سمرة. قال البيهقي: وفيه سعيد بن بشير، وقد اختلف في الاحتجاج به، وبما روي عن ابن عباس مرفوعاً: لا يتقدم في الصف الأول أعرابي ولا عجمي ولا غلام لم يحتلم، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. وفي هذه الأحاديث مشروعية تقدم أهل العلم والفضل ليأخذوا عن الإمام ويأخذ عنهم غيرهم؛ لأنهم أمس بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها وتنبيه الإمام إذا احتيج إليه، والاستخلاف إذا احتيج إليه. (رواه النسائي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>