للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جالساً والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ــ

كونه (جالساً والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -) يعني أن الذي يجب به العمل هو ما استقر عليه آخر الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان آخر الأمرين منه - صلى الله عليه وسلم - صلاته قاعداً والناس وراءه قيام دل على أن ما كان قبله من ذلك مرفوع الحكم ومنسوخ، هذا هو الجواب المشهور عن حديث أنس وما في معناه ممن اختار وجوب القيام خلف الإمام القاعد، وإليه يظهر ميل البخاري حيث ذكر قول شيخه الحميدي هذا بعد إخراج الحديث ولم يتعقبه. وقال في كتاب المرضى بعد إخراج حديث عائشة في قصة السقوط عن الفرس: قال الحميدي: هذا الحديث منسوخ. قال أبوعبد الله. (هو البخاري نفسه) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر ما صلى صلى قاعداً والناس خلفه قيام – انتهى. قلت: في هذا الجواب نظر من وجوه: منها: أن حديث أنس وما في معناه قانون كلي وتشريع عام للأمة، وما صدر منه - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته واقعة جزئية غير منكشفة الحال، وحكاية حال محتملة لمحامل فلا يدري أنه كان لنسخ الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد أو كان لبيان أن الأمر المذكور ليس للوجوب بل للندب، أو كان ذلك لأن إمامهم كان قد ابتدأ الصلاة قائماً فأقرهم على القيام إظهاراً للفرق بين القعود الأصلي والقعود الطارىء، وبين المرض المرجو الزوال وغير المرجو الزوال، وادعاء النسخ بمثل هذه الواقعة الجزئية لا يخلو عن خفاء بل هو مشكل. قال صاحب فيض الباري: القول بالنسخ لا يعلق بالقلب؛ لأن الحديث مشتمل على أجزاء كثيرة من تشريع عام وضابطة كلية على نحو بيان سنة وسرد معاملة بين الإمام والمأموم، فالقول بنسخ جزء من الأجزاء من البين، وإبقاء المجموع على ما كان ثم بواقعه جزئية تحتمل محامل مما يفضي إلى الاضطبراب ولا يشفي، ولعمرى أنا لو لم نعلم هذه المسألة لما انتقل ذهن أحدنا إلى أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك قاعداً كانت لبيان النسخ وإنما حملناها عليه حفظا للمذهب فقط، وإلا فالجمع بين الحديثين يحصل على مذهب أحمد ولا يحتاج إلى النسخ ألا ترى أن ساداتنا (الحنفية) لما تركوا مسئلة جواز الاستقبال والاستدبار لم يبالوا بوقائع تنقل في هذا وقالوا: إنها وقائع غير منكشفة الحال، وحديث أبي أيوب تشريع عام فلا أدري أنه ما الفرق بين هذين، فذهبوا إلى النسخ ههنا دون هناك- انتهى. ومنها: أن القول بالنسخ مبني على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الإمام وأن أبا بكر كان مأموماً في تلك الصلاة، وقد وقع في ذلك خلاف. قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله: كان أبوبكر يأتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. (أى في قصة مرض موته) ظاهره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماماً، وقد جاء خلافه أيضاً. وبسبب التعارض في روايات هذا الحديث سقط استدلال من استدل به على نسخ حديث: وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً، وقال في حاشية النسائي بعد ذكر الروايات المختلفة في ذلك ما لفظه: وهذا يفيد الاضطراب في هذه لواقعة، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة، لا يخلو عن خفاء. وأجيب بأن هذا الاختلاف ليس بقادح؛ لأن روايات إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصح وأرجح، لكونها مخرجة في الصحيحين،

<<  <  ج: ص:  >  >>