فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى أبوبكر تلك الأيام. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد في
نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، حتى دخل المسجد، فلما
سمع أبوبكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتأخر، فجاء حتى جلس
عن يسار أبي بكر،
ــ
الآخرة كما سيأتي. (مروا أبا بكر أن يصلي بالناس) استدل به أهل السنة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ووجهه أن الإمامة في الصلاة التي هي الإمامة الصغرى كانت من وظائف الإمامة الكبرى، فنصبه - صلى الله عليه وسلم - إياه إماماً في الصلاة في تلك الحالة من أقوى إمارات تفويض الإمامة الكبرى إليه، وهذا مثل أن يجلس سلطان زماننا أحد أولاده عند الوفاة على سرير السلطنة، فهل يشك أحد في أنه فوض السلطنة إليه، فهذه دلالة قوية لمن شرح الله تعالى صدره، وليس من باب قياس الإمامة الكبرى على الإمامة الصغرى مع ظهور الفرق، كما زعمه الشيعة. وقولهم: إن الدلالة لو كانت ظاهرة قوية لما حصل الخلاف بينهم في أول الأمر باطل ضرورة أن الوقت حيرة ودهشة، وكم من ظاهر يخفى في مثله. (ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد في نفسه خفة) أي قوة في بعض تلك الأيام. والظاهر أن ذلك كان عند صلاة الظهر يوم الخميس قبل أن يقبض بخمسة أيام. (فقام يهادى) بضم أوله وفتح الدال على بناء المفعول من المفاعلة. (بين رجلين) أي يمشي بينهما معتمداً عليهما متمايلاً في مشيه من شدة ضعفه وإحدى يديه على عاتق أحدهما والأخرى على عاتق الآخر. يقال: جاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه متمايلاً إليهما في مشيه من شدة الضعف. والرجلان: العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، كما في الحديث الآتي في الفصل الثالث. وفي رواية ابن حبان: وجد من نفسه خفة فخرج بين بريرة ونوبة. ويجمع كما قال النووي: بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي. وقال أبوحاتم: خرج بين الجاريتين إلى الباب ومن الباب أخذه العباس وعلي حتى دخلا به المسجد. وقيل: يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدارقطني: أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس. وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن عباس وعلي، فذلك في حال مجيئه من بيت ميمونة إلى بيت عائشة. (ورجلاه تخطان) بضم الخاء. (في الأرض) أي تعملان فيها خطاً، إذ لا يقدر أن يرفعهما عنها من الضعف. قال النووي: أي لا يستطيع أن يرفعهما ويضعفهما ويعتمد عليهما. (فلما سمع أبوبكر حسه) بكسر الحاء وتشديد السين المهملتين أي نفسه المرك بحس السمع، قاله السندي. وقيل: أي حركته أوصوته الخفي. (ذهب) أي أراد وقصد أو طفق أو شرع. (يتأخر) عن موضعه ليقوم عليه السلام مقامه. (فأومأ) بهمزة في آخره أي أشار. وفي بعض النسخ: فأومأ بالألف وهوخطأ. (أن لا يتأخر) أي بعدم تأخره. (فجاء) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى جلس عن يسار أبي بكر) هذا هو مقام الإمام، وفيه تعيين لما أبهم في الرواية الآتية من مكان جلوسه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماماً لا مأموما لجعله أبا بكر عن يمينه، وقال العيني: إنما لم يجلس