للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) .

ــ

عن كثير} . (الذي يرفع رأسه) أي من الركوع والسجود فالحديث نص عام في الركوع والسجود، وأما تخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود بلفظ: الذي يرفع رأسه والإمام ساجد فمن باب الإكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية فاكتفى فيها بذكر حكم السجدة عن ذكر حكم الركوع لكون العلة واحدة وهي السبق على الإمام، كما في قوله تعالى {سرابيل تقيكم الحر} [١٦: ٨١] أي البرد أيضاً، ولم يعكس الأمر؛ لأن السجود أعظم من الركوع في إظهار التواضع والتذلل، والعبد أقرب ما يكون إلى الرب وهو ساجد. وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود، فقد ورد الزجر عنه في حديث أخرجه البزار والطبراني عن أبي هريرة مرفوعاً: الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان. قال الهيثمي في مجمع الزوايد (ج٢ ص٧٨) : إسناده حسن، وأخرجه مالك وعبد الرزاق عنه موقوفاً. قال الحافظ: وهو المحفوظ. (قبل الإمام) أي قبل رفع رأسه. (أن يحول الله) أي من أن يبدل ويغير. (رأسه رأس حمار) وفي رواية مسلم: صورته في صورة حمار. وفي أخرى له: أن يجعل الله وجهه وجه حمار. قال الحافظ: الظاهر أنه من تصرف الرواة. قال عياض: هذه الروايات متفقة؛ لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه. قلت: لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضاً. وأما الرأس فرواتها أكثر وهى أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها؛ لأن بها وقعت الجنابة وهي أشمل- انتهى. وقيل: الظاهر أن الاختلاف حصل من تعدد الواقعة، ويؤيده رواية ابن حبان بلفظ: أن يحول الله رأسه رأس كلب. واختلف في معنى هذا الوعيد: فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي مجازي كالبلادة الموصوف بها الحمار، والمعنى يجعله بليداً كالحمار، فيكون مسخاً معنوياً مجازياً. قال الطيبي: لعل المأموم لما لم يعمل بما أمر به من الاقتداء بالإمام ومتابعته، ولم يفهم أن معنى الإمام والمأموم ما هو شبه بالحمار في البلادة كقوله تعالى {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} [٦٢: ٥] انتهى. ويرجح هذا المجاز أن التحويل الظاهري لم يقع مع كثرة الفاعلين لذلك. وقيل: هو محمول على ظاهره، وإن المراد تغيير الصورة الظاهرة، إذ لا مانع من وقوع المسخ الحقيقي في هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري المروي في المغازي من صحيح البخاري؛ لأن فيه ذكر الخسف، وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. ويقوي حمله على ظاهره رواية ابن حبان بلفظ: أن يحول الله رأسه رأس كلب. فهذا يبعد المجاز؛ لأنتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضاً يراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال: فرأسه رأس حمار، وذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليداً، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. وأما ما ما قيل في ترجيح المجاز من أن التحويل الظاهري لم يقع مع

<<  <  ج: ص:  >  >>