وتعقب بأنه لم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - واظب عليه. قال ابن القيم: الصواب في هاتين الركعتين أنهما مستحبتان مندوب إليهما، وليستا راتبة كسائر السنن الرواتب. قال القسطلاني: والذي صححه النووي أنها سنة للأمر بها في هذا الحديث. وقال مالك بعدم السنية. وقال النووي في المجموع: واستحبابهما قبل الشروع في الإقامة، فإن شرع فيها كره الشروع في غير المكتوبة لحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وعن النخعي أنها بدعة، لأنه يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها. وأجيب بأنه خيال فاسد منابذ للسنة، فلا يلتفت إليه، ومع هذا فزمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. قال ابن الهمام: وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما- انتهى. قال الحافظ: ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما، كما في ركعتى الفجر- انتهى. وذهب الحنفية إلى عدم استحبابهما، بل قال بعضهم بكراهتها، واستدلوا لنفي الاستحباب بأحاديث منها ما رواه أبوداود ومن طريقة البيهقي عن طاووس قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب، فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر- انتهى. سكت عنه أبوداود ثم المنذري. قال النووي في الخلاصة: إسناده حسن. وأجيب عنه بأن في سنده شعيباً يباع الطيالسة، وهو وإن كان ممن لا بأس به لكن الظاهر أن الحديث وهم منه، وقد تفرد بروايته عن طاووس، وكيف يصح هذا الحديث، وقد روي في الصحيحين وغيرهما عن أنس وعقبة بن عامر أن الصحابة كانوا يصلون بين الأذان المغرب وإقامته في عهده - صلى الله عليه وسلم - وبحضرته، كما سيأتي، وروي عن عبد الله بن مغفل الأمر بذلك، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قد صلاهما، وروى عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونهما بعد وفاته، منهم أنس وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وأبوأيوب الأنصاري وأبوالدرداء وجابر بن عبد الله وأبوموسى وأبويرزة وغيرهم، وكذلك روي عن جماعة من التابعين أنهم كانوا يصلون قبل فرض المغرب بين الأذان والإقامة. وقال النووي في الخلاصة: وأجاب العلماء عنه بأنه نفي، فتقدم رواية المثبت، ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر –انتهى. ذكر هذا الجواب الزيلعي في نصب الراية (ج٢ ص١٤٠) وأقره، ولم يتكلم عليه بشيء، وتكلم عليه ابن الهمام في فتح القدير بما لا يعبأ به، فإن حاصل كلامه معارضة حديث ابن عمر هذا بأحاديث الصحيحين المثبتة، ثم ترجيح حديث ابن عمر عليها يعمل أكابر الصحابة على وفقه كأبي بكر وعمر، ثم إنكار ترجح حديث أنس وغيره على حديث ابن عمر لكون الأول مثبتاً والثاني نافياً بناء على أن النفي ههنا كالإثبات. فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر. قلت: قد حقق وقرر في محله أن حديث غير الصحيحين لا يساوي ولا يعارض حديثهما، وأن حديثهما يقدم على حديث غيرهما عند المخالفة وهذا