هل من سائل هل من مستغفر؟. (وينام سدسه) بضم الدال ويسكن أي سدسه الأخير، ثم يقوم عند الصبح، وكان ينام السدس الأخير ليستريح من نصب القيام في بقية الليل، وإنما صارت هذه الطريقة أحب إلى الله تعالى؛ لأنه أخذ بالرفق التي يخشى منها السآمة التي هي سبب ترك العبادة، والله تعالى يحب أن يديم فضله ويوالى إحسانه، قاله الكرماني. وإنما كان ذلك أرفق؛ لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح. وفيه من المصلحة أيضاً استقبال صلاة الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء؛ لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه، أشار إليه ابن دقيق العيد. قال في اللمعات: قيل: الحديث يشكل بأنه لم يكن عمل نبينا - صلى الله عليه وسلم - دائماً على هذا الوجه، فالجواب أن صيغة التفضيل إما بمعنى أصل الفعل أو الأحبية إضافية محمولة على بعض الوجوه، لكونه أقرب إلى الاعتدال وحفظ صحته، ولما قيل في نوم السدس الأخير من دفع الكلفة والملال- انتهى. وقال القاري: ولعله - صلى الله عليه وسلم - ما التزم هذا النوم، ليكون قيامه جامعاً سائر الأنبياء، وليهون على أمته في القيام بوظيفة الإحياء. (ويصوم) أي داود. (يوماً ويفطر يوماً) قال ابن المنير: كان داود عليه السلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له ذلك في كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام؛ لأنه لا يتبعض، جعل عوضاً من ذلك أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيتنزل ذلك منزلة التجزئه في شخص اليوم، قيل: وهو أشد الصيام على النفس، فإنه لا يعتاد الصوم ولا الإفطار، فيصعب عليه كل منهما. وظاهر قوله: أحب الصيام يقتضي ثبوت الأفضلية مطلقاً، ووقع في بعض الروايات أفضل الصيام صيام داود، ومقتضاه أن تكون الزيادة عليه كصوم يومين وإفطار يوم، وكصيام الدهر بلا صيام أيام الكراهة مفضولة، وإنما كان ذلك أعدل الصيام وأحبه إلى الله؛ لأن فاعله يؤدي حق نفسه وأهله وزائر أيام فطره، بخلاف من يصوم الدهر أي يتابع الصوم ويسرده، فإنه قد يفوت بعض الحقوق وقد لا يشق باعتياده، فلا يحصل المقصود من قمع النفس، نظير ما قاله الأطباء: من أن المرض إذا تعود عليه البدن لم يحتج إلى دواء، ولم يلتزم النبي - صلى الله عليه وسلم - الوصف المذكور في صيامه لما قيل: إن فعله كان مختلفاً يتضمن مصالح راجعة إلى أمته أقوياءهم وضعفاءهم، وكان يفعل العبادات بحسب ما يظهر له من الحكمة في أوقات الطاعات دون الحالات المألوفات والعادات. وقد روى البخاري وغيره عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل بالشيء، وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، زاد في رواية قالت: وكان يحب ما خف على الناس. قال الشوكاني: الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى الله من غيره، وإن كان أكثر منه، وما كان أحب إلى الله عزوجل فهو أفضل، والاشتغال به أولى، وفي رواية لمسلم: أن عبد الله بن عمرو قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أطيق أفضل من ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم -: