الثالث وقد عد الشافعية هذه المسألة من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -. والحديث يدل على أن يتطوع مضطجعاً على الجنب لغير عذر، أي مع القدرة على القيام والقعود. قال ابن حجر: فيه أبلغ حجة على من حرم الاضطجاع في صلاة النفل مع القدرة على القعود. وقال الطيبي: وهل يجوز أن يصلي التطوع نائماً مع القدرة على القيام أو القعود، فذهب بعض إلى أنه لا يجوز، وذهب قوم إلى جوازه، وأجره نصف القاعد، وهو قول الحسن، وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة- انتهى. قلت: اختلف شراح الحديث في هذا الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر؟ فحمله الجمهور على المتطوع القادر كما تقدم، وحمله آخرون، ومنهم: الخطابي على المفترض الذي يمكنه أن يتحامل، فيقوم مع مشقة وزيادة ألم فجعل أجره على النصف من أجر القائم ترغيباً له في القيام لزيادة الأجر وإن كان يجوز قاعداً، وكذا في الاضطجاع. قال الخطابي في المعالم (ج١ ص٢٢٥) : أما قوله صلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائماً، كما رخصوا فيها قاعداً، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبره بصلاة المريض نائماً إذا لم يقدر على القعود، فإن التطوع مضطجعاً للقادر على القعود جائز، كما يجوز أيضاً للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس، فلا يجوز له أن يصلي مضطجعاً، كما يجوز له أن يصلي قاعداً؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة- انتهى. وقد لخص الحافظ في الفتح كلام الخطابي، ثم نقل عنه أنه قال: وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيباً له في القيام مع جوازه قعوده- انتهى. قال الحافظ: وهو حمل متجه قال: فمن صلى فرضاً قاعداً وكان يشق عليه القيام أجزأه، وكان هو ومن صلى قائماً سواء. فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم. ومن صلى النفل قاعداً مع القدرة على القيام أجزأه، وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال، قال: ولا يلزم من اقتصار العلماء في حمل الحديث على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التي ذكرها الخطابي. وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهي محمة فحم الناس، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد والناس يصلون من قعود، فقال: صلاة القاعد نصف صلاة القائم، رجاله ثقات، وعند النسائي متابع له من وجه آخر، وهو وارد في المعذور، فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه، كما بحثه الخطابي- انتهى كلام الحافظ مختصراً. قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج٢ ص٢١٠) بعد نقل كلام الخطابي ما لفظه: وكل هذا تكلف وتمحل من الخطابي، بناء على زعمه أنه لم يرخص أحد من أهل العلم في