يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن)) . رواه الترمذي، أبوداود، والنسائي.
ــ
(يحب الوتر) أي يثيب عليه ويقبله من عامله. قال القاضي: كل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة. (فأوتروا) أمر بصلاة الوتر، وهو أن يصلي مثنى مثنى، ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات. كذا في النهاية. وقال الطيبي: يريد بالوتر في هذا الحديث قيام الليل، فإن الوتر يطلق عليه، كما يفهم من الأحاديث، فلذلك خص الخطاب بأهل القرآن- انتهى. قال ابن الملك: الفاء تؤذن بشرط مقدر، كأنه قال: إذا اهتديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا- انتهى. والأمر للندب. (يا أهل القرآن) يعني المؤمنين المصدقين به، أو المتولين بحفظه وتلاوته. وقال القاري: أي أيها المؤمنون به، فإن الأهلية عامة شاملة لمن آمن به سواء قرأ أو لم يقرأ وإن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ، وعلم وعمل ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدود وأحكامه- انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج١ ص٢٨٥) تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجباً لكان عاماً، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام. ويدل على ذلك أيضاً قوله للأعرابي: ليس لك ولأصحابك- انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه كلهم من رواية عاصم بن ضمرة عن علي. وفي رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم، ولا كصلاتكم المكتوبة. وفي بعضها: ولكنه سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال إن الله تعالى وتر الخ. وهذا ظاهر، بل نص في عدم وجوب الوتر، كما عليه الجمهور، ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث علي زاد: فقال أعرابي: ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليس لك ولأصحابك. أخرجه أبوداود وابن ماجه والبيهقي من طريق أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود. وأبوعبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود. قال السندي: قوله: "ليس لك ولا لأصحابك" أي ممن ليس بأهل القرآن ظاهره الرفع لا الوقف. وهذا ينافي وجوب الوتر عموماً أو استنانه، إذا قلنا المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل، نعم ينبغي أن تكون صلاة الليل مخصوصة بأهل القرآن، فيمكن أن يكون التأكيد في حقهم، ويكون في حق الغير ندباً بلا تأكيد- انتهى. ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن عباس مرفوعاً: ثلاث على الفرائض، وهي لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الفجر. أخرجه أحمد والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم، وقال البيهقي في روايته: ركعتا الضحى بدل ركعتي الفجر، وهو حديث ضعيف، كما بينه الحافظ في التلخيص. ويدل عليه أيضاً ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت بلفظ: قال الوتر حسن جميل عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده. وليس بواجب، ورواته ثقات، قاله البيهقي. ويدل أيضاً عليه ما روي عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر على بعيره. أخرجه الجماعة، فهو ظاهر في عدم الوجوب؛