ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب إنه فقيه. وفي رواية: قال ابن أبي ملكية: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتي ابن عباس فأخبره. فقال: دعه فإنه قد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ــ
الحديث بمعنى الإنكار، أي هل لك رغبة في معاوية وهو مرتكب هذا المنكر. ومن ثم أجاب دعه، فإنه قد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يفعل إلا ما رآه منه، وهو فقيه أصاب في اجتهاده- انتهى. وقال الشيخ عبد الحق: أي هل لك رغبة وميل ومحبة لمعاوية مع صدور أمر غير مشروع منه؟. (ما أوتر) وفي رواية: فإنه ما أوتر. (إلا بواحدة) أي اكتفى بركعة واحدة فردة بعد صلاة العشاء من غير أن يقدم عليها شفعاً. هذا هو الظاهر. قال الشيخ عبد الحق ظاهره أن هذا القائل لم يكن يعلم بمشروعية الإيتار بركعة واحدة. (قال) أي ابن عباس. (أصاب) أي فعل الحق وأتى بالصواب. (إنه فقيه) أي عالم بالشريعة مجتهد، فيمكن أن يكون الذي فعله قد استنبطه من موارد السنة. (وفي رواية قال ابن أبي ملكية) بضم الميم مصغراً، هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية بن عبد الله بن جدعان. يقال: اسم أبي ملكية زهير التيمي القرشي، من مشاهير ثقات التابعين وعلماءهم. قال الحافظ: أدرك ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثقة فقيه من أوساط التابعين. وقال ابن حبان في الثقات: رأى ثمانين من الصحابة روى عن العبادلة الأربعة وغيرهم، وكان قاضياً لابن الزبير على الطائف، مات سنة (١١٧) ، وقيل:(١١٨) . (أوتر معاوية بعد) صلاة. (العشاء بركعة) واحدة. (وعنده مولى لابن عباس) هو كريب روى ذلك محمد بن نصر المرزوي في كتاب الوتر له من طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب، وأخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس، قال: بت مع أبي عند معاوية، فرأيته أوتر بركعة، فذكرت ذلك لأبي. فقال يا بني هو أعلم. (فأتى) أي مولاه كريب. (فأخبره) بذلك. (فقال) ابن عباس. (دعه) وفي البخاري: فأتى ابن عباس فقال دعه أي ليس عنده لفظ فأخبره. قال الحافظ: قوله: "دعه" فيه حذف يدل عليه السياق، تقديره فأتى ابن عباس، فحكى له ذلك، فقال له: دعه أي أترك القول في معاوية والإنكار عليه. ونقله الجزري في جامع الأصول (ج٧ ص٣٥) عن البخاري بذكر لفظ: فأخبره، وكذا رواه البيهقي (ج٣ ص٢٧) . (فإنه) عارف بالفقه عالم بالشريعة؛ لأنه (قد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -) وتعلم منه، أي فلم يفعل شيئاً إلا بمستند. وقال الطيبي: أي فلا يفعل إلا ما رآه. وفي فعل معاوية واستصوب ابن عباس له دليل على مشروعية الإيتار بركعة واحدة، وأنه لا يحب تقدم نفل قبلها. وقد ورد فيه عدة أحاديث، كما سبق. وفعله أيضاً كثير من الصحابة: منهم سعد بن أبي وقاص، أخرجه البخاري في الدعوات، والبيهقي في المعرفة والطحاوي. ومنهم عثمان بن عفان، أخرجه الطحاوي والدارقطني ومحمد بن نصر المروزي، ومنهم عمر بن الخطاب، أخرجه البيهقي في المعرفة وفي السنن، ومنهم أبوالدرداء وفضالة بن عبيد ومعاذ بن جبل، أخرجه الطحاوي، ومنهم أبوأمامة، أخرجه الدارقطني. وفي كل ذلك رد على من لم يقل بمشروعية