للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عما سأله عنه، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذه الاعتدال، وهذا قنوت منه بلا ريب، فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، إلى آخر ما بسط الكلام فيه. قال الشوكاني: وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن- انتهى. وأجابوا أيضاً بمعارضته بما روى الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قلنا؛ لأنس أن قوما يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الفجر فقال كذبوا إنما قنت شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء المشركين، وقيس وإن كان ضعيفاً، لكنه لم يتهم بكذب، وروى ابن خزيمة في صحيحة، والخطيب في كتاب القنوت من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم. قال الحافظ في الدارية: سنده صحيح، وكذا قال صاحب التنقيح، فاختلفت الروايات عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة، واحتج هؤلاء على عدم مشروعية القنوت في غير الوتر من غير سبب بحديث أبي مالك الأشجعي في الفصل الثاني، وسيأتي الكلام فيه هناك. واحتجوا أيضاً بأحاديث مرفوعة صحيحة غير صريحة، أو صريحة غير صحيحة، وبآثار الصحابة، ذكرها النيموي في آثار السنن وغيره في غيره. والراجح عندي ما ذهب إليه أبوحنيفة وأحمد أنه لا يسن القنوت في غير الوتر من غير سبب لا في صلاة الصبح ولا في غيرها من الصلوات، وأنه مختص بالنوازل؛ لأنه لم يرد في ثبوته في غير الوتر من غير سبب حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام، صريح في الدلالة على ما ذهب إليه مالك والشافعي، بل قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على خلاف ما قالا به كما ستقف عليه. والمسألة السادسة: أنه إذا حدث سبب أي نزل بالمسلمين نازلة أي شدة وبليه مثل الوباء والقحط والعدو ونحو ذلك، فهل يشرع القنوت في غير الوتر أم لا؟ وإذا شرع فهل يختص بصلاة الفجر أو الجهرية أو يعم الصلوات الخمس؟ فذهب جمهور أهل الحديث والشافعي إلى أن ذلك مشروع ومطلوب في الصلوات الخمس، وذهب الحنابلة إلى تخصيصه بصلاة الفجر فقط، وهو مذهب الحنفية على القول المفتى به، وإلا فلهم في المسألة قولان، أحدهما أنه يختص بالصلوات الجهرية. قال في البناية شرح الهداية: وبه قال الأكثرون، والآخر أنه يختص بصلاة الفجر فقط. والراجح عندي هو ما ذهب إليه الشافعي وجمهور أهل الحديث؛ لأن الأحاديث الصحيحة صريحة في طلب القنوت في الصلوات الخمس، ولم يجئ حديث مرفوع صحيح أو ضعيف في تخصيصه بالجهرية أو الصبح فقط. قال الشوكاني: الحق ما ذهب إليه من قال: أن القنوت مختص بالنوازل، وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به بصلاة دون صلاة. وقد ورد ما يدل على اختصاصه بالنازلة من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحة، وقد تقدم، ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ: كان لا يقنت إلا أن يدعو لقوم أو على

<<  <  ج: ص:  >  >>