للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من حصير، فصلى فيها ليالي، حتى اجتمع عليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلة، وظنوا أنه قد نام،

فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال:

ــ

(من حصير) أي موضعاً من المسجد بحصيرة ليستره، يعني جعل الحصير كالحجرة ليصلي فيه التطوع، ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه، وفيه جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائماً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجره بالليل يصلي فيه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، كما في رواية عائشة عند الشيخين. (فصلى فيها) أي في تلك الحجرة. (ليالي) أي من رمضان. (حتى اجتمع) قال القاري: أي فكان يخرج عليه الصلاة والسلام منها، ويصلي بالجماعة في الفرائض والتراويح حتى اجتمع. (عليه ناس) أي وكثروا، وقول ابن حجر ههنا: فأتموا به موهم أن الإقتداء وقع به، وهو في داخل الحجرة، وهو محل بحث، ويحتاج إلى نقل صحيح- انتهى كلام القاري. قلت: ظاهر الحديث أنهم اقتدوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في داخل الحجرة، ويؤيده رواية البخاري في الأدب بلفظ: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيها قال: فتتبع إليه رجال. (أي طلبوا موضعه واجتمعوا عليه) وجاءوا يصلون بصلاته الخ. ويؤيده أيضاً حديث عائشة عند البخاري قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته. (أي التي اتخذها من حصير) وجدار الحجرة قصيرة فرأى الناس شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام أناس يصلون بصلاته- الحديث. وقيل: هذه قصة أخرى غير ما وقع في حديث زيد بن ثابت، والله أعلم. واستشكل صلاته - صلى الله عليه وسلم - في المسجد؛ لأنه يلزم منه أن يكون تاركاً للأفضل الذي أمر به الناس به حيث قال: فصلوا في بيوتكم الخ. وأجيب عنه بوجوه: منها أن هذه الصلاة مما استثني عنه؛ لأن الأفضل عند الجمهور في صلاة التراويح المسجد، كما سيأتي. ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذ ذاك معتكفاً، ومن المعلوم أن المعتكف لا يصلي إلا في المسجد. ومنها أنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصية. ومنها أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالباً، والنبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته. (ثم فقدوا صوته) أي حسه. (ليلة) بأن دخل الحجرة بعد ما صلى بهم الفريضة ولم يخرج إليهم بعد ساعة للتراويح، قاله القاري، وفيه ما تقدم. (فجعل بعضهم يتنحنح) فيه دليل لما أعتيد في بعض النواحي من التنحنح إشارة إلى الاستئذان في دخوله، أو إلى الإعلام بوجود المتنحنح بالباب أو بطلبه خروج من قصده إليه. (ليخرج) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحجرة. (إليهم) لصلاة التراويح بعد أن دخل فيها، كما في الليالي الماضية، قاله القاري. (فقال) أي فخرج فقال، ففي رواية البخاري في الأدب: ثم جاءوا ليلة فحضروا وابطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم، فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبا، وقوله: حصبوا الباب يدل بظاهره على أنه دخل بيتاً من بيوت أزواجه بعد ما صلى بهم الفريضة

<<  <  ج: ص:  >  >>