قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه،
ــ
وأبوداود، فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من فقهاء الحجاز، ومنه تعلم الشافعي الفقة قبل أن يلقى مالكاً، وكان مسلم بن خالد يخطئ أحياناً. وقال ابن معين في رواية والدارقطني: ثقة، حكاه ابن القطان. وقال ابن عدي: حسن الحديث، وأرجو أنه لا بأس به. وقال الساجي: صدوق كثير الغلط. ولحديث أبي هريرة هذا شاهد مرسل عند البيهقي في المعرفة وفي السنن (ج٢:ص٤٩٥) من حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي. وكون عمر هو الذي جمع الناس على أبيّ لا ينافي كون أبيّ قد صلى بالناس في زمنه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن صلاة أبي بالناس في زمنه عليه السلام لم يكن من أمره ولا من اهتمامه. فالاجتماع على إمام واحد أي أبيّ، والاهتمام بجماعة واحدة إنما كان في زمان عمر، فهو الذي رفع التفرق والتوزع، وجمعهم على قاري واحد، واهتم بجماعة واحدة، ثم إنه لا ينافي هذا ما سيأتي من أن عمر جمعهم على تميم الداري، كما ستعرف. وروى سعيد بن منصور من طريق عروة أن عمر جمع الناس على أبيّ بن كعب، فكان يصلي بالرجال، وكان تميم الداري يصلي بالنساء. ورواه محمد بن نصر في قيام الليل من هذا الوجه، فقال: سليمان بن أبي حثمة بدل تميم الداري. قال الحافظ: ولعل ذلك كان في وقتين. (قال) أي عبد الرحمن. (ثم خرجت معه) أي مع عمر. (والناس يصلون) مقتدين. (بصلاة قارئهم) أي إمامهم المذكور، فالإضافة للعهد. وفيه دليل على أن عمر لم يكن يصلي معهم لشغله بأمور المسلمين، أو كان يصليها منفرداً في بيته، أو كان يرى أن الصلاة في آخر الليل أفضل. (نعمت البدعة) وفي البخاري: نعم البدعة بغير تاء. قال الحافظ: في بعض الروايات: نعمت البدعة بزيادة تاء. (هذه) أي الجماعة الكبرى، لا أصل التراويح، ولا نفس الجماعة، فإنهما ثابتان من فعله - صلى الله عليه وسلم -. قال الإمام تقي الدين ابن تيمية في منهاج السنة: قد ثبت أن الناس كانوا يصلون بالليل جماعة في رمضان على العهد النبوي، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ليلتين أو ثلاثاً-انتهى. وفي وصفها بـ"نعمت" إشارة إلى أن أصلها سنة، وليست ببدعة شرعية حتى تكون ضلالة، بل بدعة لغوية، وهي حسنة، وقد تعتريها الأحكام الخمسة. والبدعة الشرعية ما ليس لها أصل في الشرع، فلا تكون إلا سيئة، وفيه تصريح من عمر بأنه أول من جمع الناس في التراويح على إمام واحد بالجماعة الكبرى، واهتم بذلك؛ لأن البدعة لغة ما فعله أحد ابتداء من غير أن يتقدمه غيره فالمراد بالبدعة في قوله هي البدعة اللغوية، وهي ههنا اجتماعهم على إمام واحد، والاهتمام لذلك، والمواظبة عليه، لا أصل التراويح، أو نفس الجماعة، فإنهما قد ثبتا من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل الصحابة في عهده بحضرته. قال ابن تيمية: إنما سماها عمر بدعة؛ لأن ما فعل ابتداء بدعة لغة، وليس ذلك بدعة شرعية، فإن البدعة الشرعية التي هي ضلالة ما فعل بغير دليل شرعي، كاستحباب ما لم يحبه الله، وإيجاب ما لم يوجبه الله، وتحريم ما لم يحرمه الله. وبه يندفع ما يقال إن قول عمر:"نعمت البدعة" مخالف لحديث: