١٣٣٥- (٥) وعن بريدة، قال:((أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا بلالاً، فقال: بما سبقتني إلى الجنة؟ ما
دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي. قال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت
ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ورأيت أن لله عليّ ركعتين. فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: بهما)) .
ــ
١٣٣٥- قوله:(أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي ذات يوم. (فدعا بلالاً) أي بعد صلاة الصبح كما مر. (بما) وفي المصابيح: بم بإسقاط الألف، وكذا وقع في الترمذي أي بأي شيء. (سبقتني إلى الجنة) قال التوربشتي نرى ذلك- والله أعلم- عبارة عن مسارعة بلال إلى العمل الموجب لتلك الفضيلة قبل ورود الأمر عليه، وقبل بلوغ الندب إليه، وذلك مثل قول القائل لعبده: تسبقني إلى العمل أي تعمل قبل ورود أمري عليك. ومن ذهب في معناه إلى ما يقتضيه ظاهر اللفظ فقد أحال فإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جل قدرة أن يسبقه أحد من الأنبياء إلى الجنة فضلاً عن بلال، وهو رجل من أمته، كذا قال. وقد قدمنا أن الواقعة واقعة منام، وأن حديث بريدة هذا ظاهر في كونه - صلى الله عليه وسلم - رأى بلالا دخل الجنة، وأن مشيه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من عادته في اليقظة، فاتفق مثله في المنام. ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه في مقام التابع والخادم، وكأنه أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته. (ما دخلت الجنة قط) يدل على دخوله - صلى الله عليه وسلم - إياها ورؤيته بلالاً كذلك مرات. (إلا سمعت خشخشتك) بمعجمتين مكررتين، وهي حركة لها صوت كصوت السلاح خشخش السلاح أو الحلي خشخشة أي سمع له صوت عند اصطكاكه. (أمامي) أي قدامي. (ما أذنت قط إلا صليت ركعتين) أي قبل الإقامة يعني بين الأذان والإقامة. (وما أصابني حدث) بفتحتين. هو لغة الشيء الحادث نقل إلى ناقضات الوضوء. (إلا توضأت عنده) أي بعد حدوث ذلك الحدث. وفي الترمذي: عندها أي عند إصابة الحدث. (ورأيت) عطف على "توضأت". قال ابن الملك: أي ظننت. وقال ابن حجر: أي اعتقدت. وقال القاري: الأظهر أن يكون من الرأي أي اخترت. (أن لله عليّ ركعتين) أي شكراً لله تعالى على إزالة الأذية وتوفيق الطهارة. قال الطيبي: كناية عن مواظبته عليهما. (بهما) أي بهما نلت ما نلت أو عليك بهما، قاله الطيبي. ثم الظاهر أن ضمير التثنية راجع إلى القريبين المذكورين، وهما دوام الطهارة وتمامها بأداء شكر الوضوء، فيوافق الحديث السابق أول الباب. ولا يبعد أن يرجع إلى الصلاة بين كل أذانين، والصلاة بعد كل طهارة، أو إلى الصلاة بين كل الأذانين ومجموع دوام الوضوء وشكره، قاله القاري. وفي الحديث استحباب إدامة الطهارة، ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة؛ لأن من لازم دوام الطهارة أن يبيت المرء طاهراً، ومن بات طاهراً عرجت روحه، فسجدت