فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟
ــ
الوصف تتميز عن الثانية. وقيل: إشارة إلى صعقة موسى عليه السلام. (فأكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة، وهو تفريع على كون الجمعة من أفضل الأيام. (فإن صلاتكم معروضة عليّ) يعني على وجه القبول فيه وإلا فهي دائماً تعرض عليه بواسطة الملائكة، قاله القاري. وقال السندي: هذا تعليل للتفريع أي هي معروضة عليّ كعرض الهدايا على من أهديت إليه، فهي من الأعمال الفاضلة ومقربة لكم إليّ، كما يقرب الهدية المهدي إليه، وإذا كانت بهذه المثابة، فينبغي إكثار باقي الأوقات الفاضلة، فإن العمل الصالح يزيد فضلاً بواسطة فضل الوقت، وعلى هذا لا حاجة إلى تقييد العرض بيوم الجمعة، كما قيل. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر أحاديث إبلاغ السلام إليه - صلى الله عليه وسلم - وعرض الصلاة عليه ما لفظه: وظاهر الجميع أن كل صلاة وسلام تبلغه - صلى الله عليه وسلم -، وسواء كان ذلك في يوم الجمعة أو في غيره من الأيام والليالي، فلعل في العرض عليه زيادة على مجرد الإبلاغ إليه، ويكون ذلك من خصائص الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة. (وقد أرمت) جملة حالية بفتح الراء وسكون الميم وفتح التاء المخففة على وزن ضربت، ويروى بكسر الراء أي بَلِيْتَ. وقيل: أُرِمْت على البناء للمفعول من الأرم، وهو الأكل أي صرت مأكولاً للأرض. وقيل: أَرَمَّت بالميم المشددة والتاء الساكنة أي أَرَمَّتِ العظام وصارت رميماً من رَمَّ الميتُ وأَرَمَّ إذا بلى، ويروي أَرَمَمتَ بالميمين أي صرت رميماً، فعلى هذا يجوز أن يكون أَرِمتَ بحذف إحدى الميمين، كظلت ثم كسرت الراء لالتقاء الساكنين أو فتحت بالأخفية أو بالنقلية، وفي ضبطه أقوال أخر. قال السندي: لا بد ههنا أولا من تحقيق لفظ أرمت، ثم النظر في السؤال والجواب وبيان انطباقها، فأما أرمت بفتح الراء كضربت أصله أرممت من أرم بتشديد الميم إذا صار رميماً، فحذفوا إحدى الميمين، كما في ظلت، ولفظه: إما على الخطاب أو الغيبة على أنه مستند إلى العظام. وقيل: من أرم بتخفيف الميم أي فني، وكثيراً ما يروى بتشديد الميم والخطاب، فقيل هي لغة ناس من العرب. وقيل: بل خطأ والصواب سكون التاء لتأنيث العظام، أو أرممت بفك الإدغام. وأما تحقيق السؤال فوجهه أنهم فهموا عموم الخطاب في قوله: فإن صلاتكم معروضة للحاضرين ولمن يأتي بعده - صلى الله عليه وسلم -، ورأوا أن الموت في الظاهر مانع عن السماع والعرض، فسألوا عن كيفية عرض صلاة من يصلي بعد الموت، وعلى هذا فقولهم: وقد أرمت كناية عن الموت، والجواب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله حرم الخ. كناية عن كون الأنبياء أحياء في قبورهم، أو بيان لما هو خرق للعبادة المستمرة بطريق التمثيل أي ليجعلوه مقيساً عليه للعرض بعد الموت الذي هو خلاف العادة المستمرة، ويحتمل أن المانع من العرض عندهم فناء البدن لا مجرد الموت ومفارقة الروح، لجواز عود الروح إلى البدن ما دام سالماً عن التغير الكثير، فأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى