ومنها أنه اثنا عشر، ومنها أربعون بالإمام، وهو قول الشافعي، وإليه ذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه. ومنها خمسون في رواية عن أحمد. والراجح عندي ما ذهب إليه أهل الظاهر أنه تصح الجمعة باثنين؛ لأنه لم يقم دليل على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين، ولا فرق بينها وبين الجمعة في ذلك، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا. قال الشوكاني: الجمعة يعتبر فيها الاجتماع، وهو لا يحصل بواحد. وأما الاثنان فبإنضمام أحدهما إلى الآخر يحصل الاجتماع. وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليهما، فقال: الاثنان فما فوقهما جماعة كما تقدم، وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع. والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل، ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها. وقد قال عبد الحق: إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطي: لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص-انتهى. واختلفوا أيضاً في محل إقامة الجمعة، فقال أبوحنيفة وأصحابه: لا تصح إلا في مصر جامع، وذهب الأئمة الثلاثة إلى جوازها وصحتها في المدن والقرى جميعاً. واستدل لأبي حنيفة بما روي عن علي مرفوعاً: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. وقد ضعف أحمد، وغيره رفعه، وصحح ابن حزم، وغيره وقفه، وللاجتهاد فيه مسرح، فلا ينتهض للاحتجاج به فضلاً عن أن يخصص به عموم الآية أو يقيد به إطلاقها، مع أن الحنفية قد تخبطوا في تحديد المصر الجامع وضبطه على أقوال كثيرة متباينة متناقضة متخالفة جداً، كما لا يخفى على من طالع كتب فروعهم. وهذا يدل على أنه لم يتعين عندهم معنى الحديث. والراجح عندنا ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من عدم اشتراط المصر، وجوازها في القرى لعموم الآية وإطلاقها، وعدم وجود ما يدل على تخصيصها، ولا بد لمن يقيد ذلك بالمصر الجامع أن يأتي بدليل قاطع من كتاب أو سنة متواترة أو خبر مشهور بالمعنى المصطلح عند المحدثين، وعلى التنزل بخبر واحد مرفوع صريح صحيح يدل على التخصيص بالمصر الجامع. ويدل أيضاً على شرعيتها في القرى ما روى البخاري وغيره عن ابن عباس: أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثي قرية من قرى البحرين. كذا في رواية وكيع عند أبي داود، وكذا للإسماعيلي. وهذا أولى من قول البكري وغيره: إنها مدينة؛ لأن ما ثبت في نفس الحديث أصح مع احتمال أن تكون في أول قرية ثم صارت مدينة. وأما ما حكى الجوهري والزمخشري والجزري أن جواثي اسم حصن بالبحرين فلا ينافي كونها قرية. والظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبوسعيد على جواز العزل، فإنهم