قدرنا الثاني، لأنه-كما قال في المصابيح-لا يصح العطف على الخبر لئلا يقعا معاً خبراً عن واحد، وهو مستحيل، وحينئذٍ فهو خبر مبتدأ محذوف مقدر بما مر. وكذا قوله:"ثم كبشاً" لا يكون معطوفاً على بقرة؛ لأن المعنى يأباه، بل هو معمول فعل محذوف دل عليه المتقدم. والتقدير-كما مر-، ثم الثالث كالذي يهدي كبشاً وكذا ما بعده، واستشكل ذكر الدجاجة والبيضة؛ لأن الهدي لا يكون منهما. وأجيب بأنه من باب المشاكلة أي من تسمية الشيء باسم قرينه. والمراد بالإهداء هنا التصدق، كما دل عليه لفظ: قرب في رواية أخرى وهو يجوز بهما. (فإذا خرج الإمام) أي من الصف إلى المنبر يعني ظهر بطلوعه على المنبر. (طووا) أي الملائكة (صحفهم) التي كتبوا فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، قال الحافظ: وقع في حديث عمر صفة الصحف المذكورة، أخرجه أبونعيم في الحلية مرفوعاً بلفظ: إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور، وأقلام من نور-الحديث. وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة خاصة. والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة. وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعاً. ووقع في آخر الحديث عند ابن ماجه فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة يعني فله أجر الصلاة، وليس له شيء من الزيادة في الأجر. فإن قلت: وقع في رواية للشيخين: فإذا جلس الإمام طووا الصحف فما الفرق بين الروايتين؟ قلت: بخروج الإمام يحضرون إلى المنبر من غير طي، فإذا جلس الإمام على المنبر طووها. ويقال: ابتداء طيهم الصحف عند ابتداء خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم للذكر. (ويستمعون) أي الملائكة. (الذكر) أي الخطبة. قال العيني والحافظ: المراد بالذكر ما في الخطبة من المواعظ وغيرها-انتهى. وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة الحال اعتناء بهذه المرتبة، وحملاً على الإقتداء بالملائكة. قال التيمي في استماع الملائكة حض على استماعها والإنصات إليها. وفي الحديث فوائد كثيرة لا تخفي على المتأمل. وقد رواه أيضاً الشيخان بلفظ: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا أخرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر. قال الحافظ: في هذا الحديث الحض على الإغتسال يوم الجمعة وفضله وفضل التبكير إليها، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وعليه ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل. وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم. وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع. واعلم أنه اختلف العلماء في الساعات المذكورة في هذه الرواية ما المراد منها؟ واختلفوا أيضاً في أن ابتداء هذه الساعات من حين الزوال أو من قبله، فقال مالك والقاضي حسين وإمام الحرمين من الشافعية،